المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا
المحور الثاني : طرق لتطوير الأنظمة التعليمية القائمة على الحفظ و التلقين لا على الفكر و التفكير
صاحب المقال الفائز بالمركز الخامس في المحور : صالح سمران مفلح الترجمي_ المملكة العربية السعودية
المقال :
تطوير الأنظمة التعليمية
- التعليم هو الصورة العكسية للمجتمع وثقافته ، وهو أيضاً ما يبعث على التصدر أو يجر إلى التذيل في تصنيف الشعوب والأمم ، فيمكنك أن تتعرف على وعي وحضارة ذلك المجتمع من خلال النظر إلى نظامه التعليمي ، والمجتمع النابه هو الذي يرى في جلاء وباستمرار أين هو وأين يريد أن يكون ويضع الأهداف بناءاً على هذه الرؤية ، وإذا كنا نتطلع للتقدم ونسعى للرفعة والحياة السعيدة يجب علينا أن نسعى إلى تحصيل المعرفة وتطبيقها بطريقة ملائمة إذ لا شيء يستحق أن يسعى الإنسان في طلبه أكثر من العلم ، وبغير العلم لا يمكن للمرء أن يرتقي في مراقي الكمال ويحيا الحياة التي تليق بإنسانيته.
- تحسين الأنظمة التعليمية هو الشأن الذي يُجدر بنا صب أقصى درجات التركيز عليه ، والحق أقول أن طرق التعليم التقليدية والنمطية التي ما نزال نرتكبها ـ وأقول نرتكبها عمداً ـ عديمة القيمة تطاول عليها العهد وتقادم بها الزمان وباتت في ذمة التاريخ ، وعندما أخلدنا إليها أصبحنا نتذيل أهل الأرض في سلم الارتقاء ، ونحن بحاجة إلى أن نعطي أنفسنا وقتاً كافياً لتطوير ذواتنا ، و أن نتقٍ الله تعالى في إعداد المادة العلمية و في الاستعداد للتدريب و التوجيه و التربية ، كما أن علينا أن نمحو أميتنا تجاه هذه التقنيات و العلوم التدريبية و التعليمية الحديثة ، و هذا يتطلب منا بذل الجهود الخاصة والمخلصة و ترك الكسل و الخمول بيد أن المطالب والأهداف الصعبة لن تتوافر لنا من تلقاء نفسها لمجرد أننا نريدها ونتمناها فلا بد أن نعمل لأن كل ما يغير حياة الإنسان يكمن في الفعل والممارسة لا في مجرد العلم به ، وعلينا أن نضيف رؤية علمية إلى هذا العالم كي لا نكون عالة على الأمم الأخرى ، كما يتطلب منا استشعار مسؤوليتنا أمام الله تعالى تجاه هذا الجيل و الأجيال القادمة.
- ومن أجل أن نطور أنظمة تعليمنا يُجدر بنا في بداية الأمر أن نجعل أنفسنا على اعتقاد راسخ بأن الحاضر قد هضم الماضي وأن أساليب وطرق التعليم القديمة طواها الدهر طي السجل للكتب لذا يتحتم علينا غربلة تلك الأساليب والطرق واستبقاء ما يوافق منها وسائل التعليم الحديثة التي تتطور بتطورات الزمان المتعاقبة والتي بدورها تنقل صور الحياة نحو ما هو أعلى ، فيتحتم علينا خلق سياسة جديدة تعتمد على المنطق العلمي و تتفاعل مع المتغيرات الجديدة ، سياسة تتجه إلى تحريك فاعليات العقل وتطويرها بمفاهيم وطرق جديدة نستقيها من هذا الجانب أو ذاك من جوانب الفكر الإنساني المتقدم الذي يخاطب العقل.

- لو نظرنا إلى الدول الغربية على وجه العموم فإنهم تقدموا ووصلوا إلى ما وصلوا إليه من خلال الاعتناء بدراسة العلوم الطبيعية القائمة على الفكر والتفكير لا الحفظ والتلقين والتي لم يقتحم العربي ميادينها بعد ولم ينعم بثمراتها وترك لهم الجمل بما حمل ، وأستطيع الجزم أن ما تقدموا به في وسعنا أن نتقدم به نحن دون أن نفقد هويتنا التي لا يمكن أن نتنازل عنها بأي وجه من الوجوه ، فهم يركزون ويخاطبون بشكل مباشر العقل البشري من خلال ما يسمى بالخيال العلمي والذي يئول إليه الفضل في معظم الاكتشافات البشرية ، فمن خلال الخيال العلمي الذي يمكّن المتأمل من الانتقال من عالم المحسوس إلى عالم الغيبيات والتنبؤ بما لا يمكن تصديقه في بداية الأمر وهذا الخيال هو الذي أوصل توماس أديسون إلى إشعال المصباح الكهربائي ، والأخوين رايت إلى اختراع الطائرة ، وما نيوتن إلى اكتشاف قانون الجاذبية ، واينشتاين إلى تطوير النظرية النسبية ، ولو تحدث إلينا أحد قبل عشر سنين من الآن عن مواصفات الأجهزة الذكية التي نمتلكها اليوم لسخرنا منه وقلنا بأن هذا ضرب من الخيال وهذا ما حدث تماماً مع ستيف جوبز عندما كانت فكرته في طور التنفيذ.
- الإبداع دائماً يكمن في الانصراف عن المألوف وعدم اتباع الطرق والسبل التقليدية والخروج بالفكر من أرض الواقع إلى عالم الخيال والفكر والتأمل وبالنظر إلى آي القرآن الكريم فإن المواضع التي تتحدث عن التدبر والعقل والفكر وأولي الألباب والسير في الأرض وتأمل الموجودات أشهر من أن تذكر أو يشار إليها ، وحياة الإنسان لا تكون ذات قيمة عالية وعظيمة حتى يهبها للبحث والتنقيب ويعيش وفق ما يمليه عليه عقله ، و فاعلية العقل تكون عندما يفكر الإنسان أعمق تفكير ممكن ، ولو فتشنا في المجتمع حولنا لوجدنا أن أعلى الناس درجة هو الحكيم الذي يستخدم الجزء الأكبر من العقل ، أي يحيا حياة عقلية منصرفة إلى تأمل الموجودات.
- ومن وجهة نظري أن أفضل الطرق وأيسرها لتطوير الأنظمة التعليمية هي المحاكاة ، وهي أن نرى كيف تقدمت الأمم الأخرى ونساير ذلك التطور دون أن نشعر بشيء من الغرابة والعسر وهذا تماماً ما فعلته اليابان والتي تمتلك اليوم أفضل نظام تعليمي على كوكب الأرض بالاشتراك مع ألمانيا فهم يركزون على زرع وغرس القيم في الطلاب أكثر من اهتمامهم بالمناهج الدراسية ذاتها ومن أهم ما يمكن أن يُغرس في نفوس الطلاب بجانب القيم والمبادئ هو احترام الوقت والالتزام به فالطالب الياباني يحتاج إلى درجة انضباط مرتفع لكي يجد الوقت الكافي لاستذكار دروسه ويجب عليه السيطرة على ذاته ليوزع وقته بين هواياته الخاصة وممارسة الرياضة والانخراط في الحياة الاجتماعية.
- الذات البشرية هي التي يجب أن نضعها محور التركيز وليس المادة العلمية ونبرمج الطالب والمتلقي على أنه ذكي ومبدع وذو ذاكرة قوية لا تقهر ويتصرف هو بناءاً على هذه القاعدة وسوف يلمس تغييرات كبيرة في حياته ، لنجعل الطالب يعيش مشاعر المتفوق ويشعر بالثقة وقدرته على الفهم ، لنكن إيجابيين ونبدأ والنهاية في أعيننا ونقدم المهم على الأهم ، وننمي حب القراءة والإطلاع لديهم ونجعل القراءة عبارة عن نوع من الاستكشاف وتنمية العقل وتوسيع الفهم وكل ذلك مرهون بامتلاك وسائل وطرق جديدة للتعامل مع المواد العلمية المقررة على الطلاب ، مثل الدراسة والحفظ عن طريق الخارطة الذهنية التي تستثير شقي المخ الأيمن والأيسر بالإضافة إلى أنها تُساعد على الدراسة بكفاءة أعلى وتحول الدراسة إلى متعة ، فالطالب يدرس ويرسم ويلون ويقوي ذاكرته ، وغيرها الكثير من الطرق الإبداعية التي تحول الدراسة من عمل ممل إلى نشاط شيق ومفيد وممتع ، لنغرس في دواخلهم عناصر النجاح كحب العلم ، والتدريب ، والجدية ، والمثابرة ، ووضوح الأهداف ، والإرادة الصلبة ، لنفهم الطريقة المثلى لعمل العقل ونطورها باستمرار من خلال التفكير للوصول إلى العلم المتناهي الدقة وفق أدق معرفة ممكنة.
- قبل أن أضع القلم أود التذكير بأنه علينا أن نعيد النظر في مناهج تعليمنا وأنظمتنا التربوية وننقدها بشكل جذري من أجل أن نبصر مواضع الخلل فيها ونلحق بركب عصرنا الفسيح الخُطى الذي لن ينتظرنا أبداً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق