المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا
المحور الأول : كيف يفكر شبا اليوم و ما هي نقاط ضعفه و قوته
صاحب المقال الفائز بالمركز الرابع مكرر في المحور : علي محمد أسمر أبو شحادة_ الأردن
المقال :
مشاكل الشباب الفكرية المعاصرة
المقدمة
تقوم نهضة الأمم والحضارات في أساسها على قاعدة الشباب، وبدون قدرات وإمكانات وطاقات الشباب لا تتم الصحوة ولا الرقي المطلوب للأمة. وبما أن الشباب هم وقود مركبة الحضارة فقد وجب أن تراقب أفكارهم ويعنى بها وتكوّن على نور وفهم ومعرفة. ولأجل أن نقوم بذلك نحتاج أولا أن نعرف كيف يفكر الشباب وكيف تنشأ تصوراتهم، وكيف يتم بناء الفهم والمعرفة لديهم، وآليات الإدراك عندهم. وهذا ما أحاول هنا أن أطرق بابه بالتحليل قدر الوسع والطاقة، تاركا المجال مفتوحا في هذا الباب للتأليف والكتابة المتخصصة المتعمقة المطلوبة وبشدة في عصرنا الحاضر.
وفي هذا المقال لن أتناول الجانب الإيجابي من الفكر الشبابي، لأنه مخصص لاستعراض الجانب السلبي من الفكر الشبابي. وهو ـ المقال ـ بمثابة مبضع الجراح الذي يكشف عن الورم ويزيل الألم. ولذا فقد تجنبت فيه المدح والثناء على أنواع وأشكال التميز والإبداع الفكري لدى عدد لا بأس به من شباب أمتنا. وجعلت همي ونصب عيني فيه إظهار المشاكل الفكرية التي يعاني منها شبابنا، وعلى الله الاتكال.
كيف يفكر شباب اليوم ؟
لو نظرنا وتفكرنا في كيفية تفكير شباب اليوم لرأينا أعاجيب وغرائب في طرق وأساليب التفكير لديهم. فمن التشتت والضياع وعدم ترابط الأفكار وتسلسلها عند البعض من الشباب، إلى ازدحام وتراكم للأفكار المتناقضة عند بعض آخر. ومن تعصب وتقليد وتبعية فكرية عند ثلة من الشباب إلى انفلات وحرية وتمرد فكري عند ثلة أخرى. كما نلاحظ إلى جانب هؤلاء وهؤلاء شبابا لامبالين متهاونين فيما يملكون من أفكار.
ويتبين أثر هذا التداخل والاختلاط والتنازع في الفكر الشبابي لدينا واضحا في انعكاسه على سلوك شبابنا. فكما هو معروف أن سلوك الشخص هو انعكاس لفكره. ومن هنا نقول أن ما نشهده من غوغائية وتشتت وأمراض مجتمعية وقلاقل أخلاقية؛ إنما كان السهم الأوفر بالمساهمة في صنعها للخلل الموجود في أساليب وطرق وآليات التفكير لدى شبابنا اللذين يمثلون القطاع الأكبر من أفراد مجتمعاتنا وأمتنا.
وكل هذا فضلا عن عدم امتلاك كثير من شبابنا لطرق التفكير السليمة، فكم من شاب لا يستطيع بناء تصور صحيح لهدفه ولكيفية تحقيقه، وكم من شاب لا يستطيع اتخاذ قراره لوحده وبطريقة سليمة فكريا. وكم من شاب يعيش حياته كلها دون أن يكلف نفسه عناء التفكير بما حوله من أحداث وأشخاص وأفكار. ولو سلمنا بهذا لرأينا أن مشكلة التفكير عند شبابنا هي أعمق مما نتصور، وأنها يجب أن تراجع وتوجد لها الحلول في عدة مستويات.
فأولا هناك مستوى تربية وتوجيه وتدريب الطرق السليمة للتفكير عند الشباب وهذا جانب تربوي مهم في صناعة الفكر الشبابي. وهناك مستوى تأثير الأوضاع والأحوال المحيطة والبيئة على صنع الأفكار الشبابية؛ وهذا أيضا جانب اجتماعي لا يستهان به في موضوعنا.
ولا نغفل كذلك مستوى المرجعية والتأصيل للتفكير الشبابي، والصراع الدائم بين التراث والحداثة. كما لا نستطيع تجاوز مستوى مظاهر التمرد وآثار الآفات الفكرية المنعكسة سلوكا مجتمعيا نراه واقعا مؤلما في بعض الأحيان.
ولمعالجة هذه المستويات يلزمنا تأليف كتاب لتفصيل أمورها ودقائقها؛ أو على الأقل صياغة بحث متخصص. ورغم ذلك سأحاول هنا أن أخط الخطوط العريضة لمشاكل الشباب الفكرية في زماننا، تاركا الباب مفتوحا للمفكرين والمصلحين للقيام بالمطلوب.
مشاكل الشباب الفكرية
كما سبق أن عرضت هناك مشاكل فكرية كثيرة عند الشباب؛ وفيما يلي بعض هذه المشاكل باختصار وإيجاز:
* المادية
المادية من أعظم القوى التي تسيطر على تفكير الشباب هذه الأيام وتحرفه عن الوجهة الصحيحة. إذ لأجلها يتخلى الشاب عن الفكر الصحيح كي يتحصل على أسباب المادة. ومن خلالها يحجب الفتى الأهداف الفكرية العليا من نهضة ورقي وحضارة؛ ويقدم عليها الأفكار المادية البحتة التي تداعب بطغيانها وسيطرتها على روح العصر مخيلة الشباب فتجعلهم أتباعا يركضون لتحصيل أسبابها.
فكم من أفكار ناضجة وعقول عظيمة ضيعها وقضى على ألقها استكانتها لمطامع الحياة من أكل وشرب ولبس وترف، وكم من شباب ذوي إمكانات وقدرات وطاقات فكرية ذهبت قواهم أدراج الرياح لأجل سعيهم لتحقيق مقومات الحياة المادية.
ومن المؤسف تقرير النتيجة التي أراها ظاهرة في مجتمعاتنا؛ وهي أن أصحاب الفكر المتألق يجب عليهم لأجل بقاء أفكارهم وانتشارها أن يضحوا بالحياة المادية وأن يعيشوا زهادا. أو أن عليهم بالمقابل أن يضحوا بأفكارهم، وأن يخضعوا لقانون المادية المعاصرة بطوي صفحة الفكر وفتح صفحة المادة، وحالهم كقول الشاعر:
كم طوى اليأس نفوسا لو رأت *** مرتعا خصبا لصارت جوهرا
* العبثية
ونعني بها هنا عدم وضوح الرؤية الفكرية والضياع والتشتت الفكري. فمن السمات الظاهرة لطرق وأساليب الفكر الشبابي المعاصر غياب الرؤية الواضحة وسعة الأفق واستشراف المستقبل، وإنما يغلب عليه السطحية والبساطة ، بل والسذاجة في بعض الأحيان .
ونظرة فاحصة في حجم ما تعانيه أمتنا من أوضاع وأحوال ومشاكل عامة تبين لنا مقدار الفوضى والتشتت والضياع عند شباب الأمة. وما نتج هذا إلا عن عبثية الفكر وعدم تأطيره بحدود الجدية والأهمية والأهداف العالية والمقاصد السامية والأساليب الصحيحة القويمة .
وربما كانت العبثية كأزمة فكرية شبابية هي نتاج الإحباط في العمل الفكري للأمة جميعها. ولكن هذا لا يبرر للشباب المفكر تضييع قواهم وطاقاتهم في التفكير العبثي الذي لا طائل وراءه ولا ثمرة ترجى منه.
* الغريزية
وهي ارتداد للفكر وانحطاط له إلى مرتبة الحيوانية والتفكير الغريزي في إشباع الشهوات والطبائع البيولوجية للإنسان والحاجات العضوية له. وهي بهذا المفهوم بعد من أبعاد المادية سابقة الذكر، لكنها مادية متدنية تسخر أرق وأعلى ما في الإنسان ـ الفكر ـ لأجل إشباع النزعة الترابية الأرضية في جسم الإنسان.
وكم من شباب في مجتمعاتنا يرتعون ويهيمون لإمتاع أنفسهم وتحقيق شهواتهم على حساب أفكارهم ورقيهم وحضارتهم. بل ومنهم من يستخدم فكره وطاقة عقله في تحصيل شهواته وغرائزه، وهذا ليس بمستنكرا في الوضع الطبيعي ـ لأن هذه الحاجات لا بد لها من أن تنتظم وتوضع في إطارها الصحيح ـ ولكن المشكلة كل المشكلة والمأساة كل المأساة في استشراء النفس الإنسانية وتغولها ولهاثها في تحقيق شهوتها وغريزتها على حساب روحها الربانية العلوية فيها.
والفكر الغريزي من أوجع الآفات التي تحيق بالشباب؛ إذ أن هذه الغرائز والشهوات تكون في مرحلة الشباب أقوى ما يمكن، والقدرة على السيطرة عليها ليست في إمكان الشاب بسهولة، وإنما تحتاج إلى مجاهدة وصبر، واعتناء ومتابعة، وحوافز وآليات مساعدة. ولا بد من وقوف مساعدين من الأصدقاء والموجهين إلى جانب الشباب للأخذ بيده من مستنقع الفكر الغريزي، وللارتقاء به وبفكره إلى مصاف الروح الإنساني المكرم والعاقل.
* العصبية
ومن آفات الفكر الشبابي كذلك معضلة التعصب الأعمى لنمط معين في التفكير أو قالب معين أو أسلوب ما. وهذا في حد ذاته أيضا سبب رئيسي في تحجر الفكر وتخلفه وقصوره، فليست الحقيقة حكرا على نمط أو جهة أو بيئة أو نموذج ـ طبعا باستثناء الأصول الدينية كالكتاب والسنة، وحتى هذه الأصول ينبغي استخدامها للرقي بالفكر ودون تعصب غير مبرر، فهذه الأصول تدعو للتفكر وفتح باب العقل على وسعه وتحض على حسن استخدام الإنسان للملكات العقلية التي حباه الباري سبحانه بها.
والمدقق في حال عصرنا يجد أن التعصب سمة واضحة من سمات الفكر الشبابي، فالكل متشبثون بآرائهم وكأنهم هم المالكون الوحيدون للحقيقة والممثلون لها في العالم، وأن من سواهم لا يملك إلا الباطل. واستنادا إلى أن الحقيقة موجودة في نفوس الكل بشكل جزئي، فنقول هنا أن من يتعصب لفكره ولا يقبل بحوار الأفكار وتلاقحها وإعادة برمجتها وتطويرها، هذا المفكر سيغدو يوما في صومعة صحراوية بعيدة عن مدينة الفكر، وسيجد أنه ما عاد يملك فكرا بل أحافير ومخلفات عفا عليها الزمان.
* التقليد والتبعية (القوالب الجاهزة)
ومشكلة المشاكل في الفكر الشبابي هي التقليد والنمطية وتكرار الأفكار بدون وعي وفهم وإدراك. وربما وصل الأمر إلى درجة الالتزام بقوالب فكرية جاهزة وعدم المحاولة للمعرفة الفكرية المنجية من الذوبان والانمحاق تحت رحمة التقليد والتبعية.
وهذه ليست دعوة للشباب للانشقاق والتمرد على الفكر الراقي الصحيح، ولكنها الدعوة إلى الفهم الصحيح والتمحيص والتدقيق والتثبت من الأفكار. فليس كل قديم من الأفكار هو خاطئ يجب أن نتمرد عليه، كما أنه ليس كل قديم منها هو صحيح 100 % ويجب الخضوع له.
فعندما تدرس الأفكار بمنهجية ومنطقية علمية سيكون الاتباع لصحيح الأفكار والحقيقي منها اتباعا مبنيا على وعي ومعرفة وفهم وتصور سليم وليس تقليدا أعمى أو تبعية كالقطيع للراعي. وبالمقابل لن يكون التجديد والتحديث والتطوير للأفكار مبني على انشقاق وتمرد وحب للمناكفة والمخالفة.
* النسخ المكررة وندرة التفرد
ومن المشاكل التي يعانيها الفكر الشبابي وقوعه أسير التكرار والتشابه مع الأنماط الفكرية للشباب عند أمم العالم الأخرى. ونسأل أمثال هؤلاء اللذين أراحوا فكرهم من محاولة الإبداع الفكري والتميز : أين هي مميزاتكم وخصائصكم الذاتية ؟ ولماذا قمتم بتذويبها وصهرها في بوتقة الفكر العالمي ـ على حد زعمكم ـ !؟ وعلام تحصلتم من تكرار فكر غيركم واللجوء إلى تعويم أفكاركم وفضفضتها ؟!.
وإنك لسامع عجبا من حجج أمثال هؤلاء الشباب لفعلهم هذا. فمنهم من يرد فعله إلى قصوره مقارنة بالآخرين، ومنهم من يحدثك عن تقدم الآخرين وتطورهم وسبقهم لنا ووجوب الأخذ منهم لهذا. وعلى كل حال فلن تكفينا هذه العجالة في مناقشة أقوالهم والرد على حججهم وإثبات بطلانها أو فسادها على أقل تقدير.
ولكننا ينبغي علينا كشباب مفكر أن ندرك مقوماتنا الفكرية الذاتية ، وقدراتنا العقلية وطاقاتنا الروحية المتفردة التي نملكها. إذ بكل بساطة نقول : ما هو الذي يميز الآخر عنا ؟! وهل يملك شيئا لا نملكه؟ وهل إذا تبعناه وتركنا تفردنا وقتلنا إبداعنا وذوبنا تميزنا .. هل نكون بهذا مفكرين وقادرين بفكرنا على صنع نهضتنا أو بناء حضارتنا ؟
وأترك الإجابة على هذا السؤال للمفكرين الشباب المفتونين بالآخر، والمقرين بغلبته، والخاضعين لسلطان غزوه الفكري لنا، مع الإشارة إلى أن هذه القابلية لاستعمار الأفكار ستجر ورائها ويلات من الدمار الفكري والتخلف والتشتت .. وزمننا شاهد على هذه الحالة .
الخاتمة
وبعد فهذه بعض المشاكل الفكرية التي يعانيها شباب أمتنا في هذه الأيام. استعرضتها على عجل دون الخوض في أسباب تشكلها، ودون طرح الحلول لها؛ وهذا المقال كما قلت في المقدمة إنما هو بمثابة طرق الباب للدخول إلى هذه المعركة الفكرية، وأهيب هنا بأرباب الفكر وذوي العقول وأصحاب الفهوم والأقلام أن ينفروا للخوض في لجة بحر مشاكل الأفكار الشبابية وتحليلها ومحاولة حلها ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق