الاثنين، 28 أبريل 2014

المحور الرابع

المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا



المحور الرابع : تأثير التكنلوجيا و وسائل الإعلام الحديثة على الفكر

صاحب المقال : محمد بن أحمد الرجيبي




المقال :

"التواصل الإجتماعي الجديد واقعه وأثره على التوجهات الفكرية"

مقدمة :

ألقت ثورة التكنولوجيا والمعلومات بظلالها على العالم أجمع حيث شهدت تطورا ملحوظا في كافة المجالات ، وهي إمتداد لنتاج الإسهامات الإنسانية المتنامية التي لا تكاد تتوقف برهة إلا وتأتي أخرى مغيرة ملامح الزمان والمكان الذي عهدناه أو الذي تصورناه . نحن نعيش في عصر السرعة والمعلومات ونستقي من إفرازاته المتعددة ، ومنها على سبيل الخصوص الإعلام وطرق التواصل التي إتخذت منحنى آخر شكلا ومضمونا عمّا هو الحال خلال الفترة الماضية . ولاشك أن هذا الأمر يحمل في طياته آثارا تشمل الفرد وتتعداه إلى الجماعة ، على المستوى المحلي الصغير وما فوق ذلك .



ويهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على مضمار الإعلام الجديد وتطبيقاته وذلك من خلال إعطاء لمحة بسيطة عن واقع الحال اليوم والتوجه الذي يسلكه ، وصولا إلى تناول تأثير الواقع الراهن على منظومة العلاقات الاجتماعية والثقافية ونحوها على مستهلكيها ومستخدميها .



الوضع الراهن :


مرت وسائل الإعلام والتواصل بتغيرات دورية بدأ بإختراع الطباعة إلى إختراع الراديو مرورا بالتلفزيون وصولا إلى الإرهاصات الحالية لوسائط الاتصالات الناجمة عن الثورة التكنولوجية التي تكتسح ربوع العالم ، كبارا وصغارا ، نساء ورجالا ، فتغيرت ملامح ومفاهيم التواصل وطرقه وبدأت وسائل الإعلام التقليدية بمجاراة الحاضر الجديد لكي لا يخبوا بريقها وتترهل مؤسساتها . إستحوذ عصر المعلومات على نصيب وافر من العناية والإهتمام بصفته أحد أهم الموارد الإقتصادية وفي الوقت ذاته اتخاذه كوسيلة لتحقيق الأهداف السياسية والإجتماعية والثقافية وغيرها . ويشكل الإعلام الجديد أحد أهم الظواهر التي طالت عليها أيادي التكنولوجيا لتخرج على أرض الواقع . لقد مكنّ توافر تقنيات الأجهزة الذكية وتنوعها وسهولة استخدامها إلى خلق مجتمع إفتراضي واسع النطاق يجمع في إطاره أجناس وأعراق وخلفيات ثقافية متعددة .



تزخر شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) والأجهزة التقنية الجديدة بالمئات من تطبيقات وبرامج التواصل الإجتماعي والمحادثات الفورية وهي تحظى بإقبال مختلف ما بين الكبير والصغير ، ومن أشهر التطبيقات هي (WhatsApp) ، (Facebook) ، (Google+) ، (Youtube) ، (Twitter) ، (Instagram) ، (Linkedin) ، (Skype) ، (Flickr) ، علاوة على وجود مجموعات أخرى من التطبيقات لها روادها ومرتاديها .



هذا ، وبحسب إحصائيات الإنترنت والشبكات الإجتماعية الصادر في يناير 2014 التي أعدّتها وكالة (We Are Social) المهتمة بوسائل الإعلام الإجتماعي (wearesocial.net) فإن برنامج Facebook يمثل المنصة الإجتماعية الأولى في العالم بعدد مليار و184 مليون مشترك ، في حين بلغ مستخدمي تطبيق المحادثات WhatsApp حوالي 450 مليونا وذلك بمعدل زيادة قدرها 1 مليون مستخدم كل يوم ، علما بأن هذا التطبيق هو الأكبر نموا خلال عام 2013 فقد حقق معدل نمو مقداره 175% خلال عام واحد فقط .



أما الحال في المنطقة العربية –وفقا لبيانات الوكالة المذكورة- فقد ألمّت بها هي الأخرى بواعث التغيير ، فقد حققت معدل نفاذ للإنترنت بنسبة زيادة مقدارها 37% في منطقة الشرق الأوسط ، وازدادت نسبة مستخدمي الهاتف النقال في المنطقة ذاتها بوتيرة متسارعة ، كما وحققت نسبة زيادة مقدارها 24% في استخدام منصات وشبكات التواصل الإجتماعي ، في حين ارتفعت معدلات النمو بصورة ملفتة في اشتراكات الهاتف النقال لتصل إلى 112% خلال عام 2013 في منطقة الشرق الأوسط .



منظومة القيم والثقافة :



يرتاد بحر الإعلام الجديد أفراد من جنسيات وأعراق وأديان وخلفيات ثقافية مختلفة ، الأمر الذي يشكل مرتعا لإنعكاس هذه الملامح على المستخدمين والمتابعين . وتمثل القيم والثقافة مرآة واضحة عن معالم المجتمع وأفراده ، ومدى تمسكه بما يؤمن به ، والمصدر الذي يستقي منه أحكامه .



إن وسائل التواصل الجديد تغيّر من نمط حياتنا وطريقة تفكيرنا ، فقد أصبحت تشكل واقعا يوميا من حياتنا اليومية ، وأنها أصبحت للبعض بمثابة المرصد الرسمي لإنتقاء وتبادل الأخبار والمعلومات المحلية والعالمية دونما التحقق من صحتها من عدمه ، وأصبحت وسائل الإعلام الرسمية المقروءة والمرئية والمسموعة تشكل مصدرا ثانويا للأخبار إن تم الإلتفات إليها ، هذا إن لم يتم استبعادها من القائمة وركنها جانبا .



لقد إستفاد العلماء والشعراء والمختصين من تفاعلية تطبيقات الإعلام الجديد وذلك في الافصاح عن أفكارهم النيّرة والمفيدة وتسطير خبراتهم ومخترعاتهم وابتكاراتهم في شتى مجالات الحياة وهم يحظون بمتابعين ومؤيدين كثر ، وعلى النقيض من ذلك نجد البعض الآخر منساقا لأفكار وتوجهات غير محمودة فأصبح تفكيرهم موجّها بحجّة التذرع بأنها تمثل الرقي والتقدم وأصبح يرتوي من مستنقعاتها الراكدة من خلال التقليد الذي لا يتفق والمنظور الديني والقيم المجتمعية القائمة . كما وقد أسفر الواقع المرير عن حصول عدد من التجاوزات التي لا تحمد عقباها ومثلها التعدّي على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في فتات تغريدات ساخطة على موقع Twitter ، علاوة على التجاوزات التي قد تحصل في حق الآخرين .



ومن جهة أخرى تواجه اللغة العربية تحدّيا شائكا ومعتركا صعبا ، حيث دخلت طوامس عليها بطريقة مجحفة بسبب التعامل مع مواقع التواصل الإجتماعي وتطبيقاته ، حيث تم إدخال مصطلحات أجنبية وكأنها من جذور اللغة ، واحلال الرموز والأرقام محل الحروف الأصلية ، كما أنّ التداول باللغة العامية وتفشّيها يمثل هو الآخر نموذجا لإنحسار اللغة الفصحى ووسيلة لطمسها . وكل هذه تشكل عوامل لتحصيل لغة ركيكة فقيرة رغم تمتعها الغني بالمفردات والقواعد النحوية ، وطمر جماليتها الأخاذة التي لطالما إعتززنا بها , علما بأن أكثر المتأثرين بهذه التقنيات هم من النشء ومن هم في مرحلة الشباب أيضا .



الآثار على الفرد والمجتمع :



كان لتطبيقات الإعلام الجديد أثرها الجيد على المجتمع بمختلف طبقاته وأنه بلا شك جديرة بالإحتفاء بها ، فقد إختصرت الوقت والمال والجهد في إنشاء حلقة من الترابط والتناقل الإجتماعي السريع . وأصبحت منصات لإنطلاق المعلومات والأعمال وكسب التأييدات الشعبية ووسيلة للتعبيرات الجماهيرية ذات الموجات التحوّلية . إلا أن هناك آثارا سلبية تعتريها وهو أمر لم تسلم منه الاختراعات والابتكارات والمنتجات على مر الزمان الإنساني . ويمكننا أن نجمل هذه الآثار على النحو التالي :

- عدم استغلال وقت الفراغ وتحلّله دونما طائل يذكر .

- إن شبكات التواصل الإجتماعي أصبحت تشكلّ ملاذا لتداول المعلومات غير الصحيحة (الشائعات) .

- ضعف الروابط الإجتماعية والأسرية وذلك بتعويضها بالسبل التكنولوجية التي أخلّت بمعانيها السامية ، فنجد تارة بعض الأفراد يجمعهم نفس المكان ولكنهم لا يعلمون عن أحوال بعضهم ، وتارة أخرى يجتمع بعض الأصدقاء للترويح عن أنفسهم ولكننا نتفاجأ أنهم مجتمعين جسديا ولكنهم غائبين فكريا ، وهذا بدوره يسهم في تشكيل نمط للعزلة الإجتماعية .

- إهمال المسؤوليات والواجبات الأساسية لمستخدمي هذه التطبيقات وذلك بسبب الإندماج معها وعدم الرغبة في تفويت جديدها وتحديثاتها .

- تمثل وسائل التواصل الحديثة أحد وسائل الخلافات التي قد تنشأ بين الأفراد وذلك لإعتبارات وإعتقادات قد تتبلور عند الطرف الأخر وقد تكون صحيحة أو لا .

- تدنّي المستويات الدراسية نظرا لأن موجة الثروة المعلوماتية قد إجتاحت الجميع بصغيرهم وكبيرهم ، فنجد طلاب المدارس في مراحلهم الأولى يمتلكون أجهزة ذكية تشغلهم عن أصل ما يجب أن يهتموا به ، فأصبحت ثقافتهم ضحلة سطحية .

- تشكل هذه التقنيات تحديا أمنيا جديدا فهي تحتاج إلى وسائل ربط وإشراف ورقابة بشكل مستمر للحد من التجاوزات التي قد تحدثها أو تنجم عنها .



الخاتمة :

أصبحت تطبيقات التواصل الحديثة واقعا ملموسا وجزءا من الحياة اليومية لشريحة كبيرة من مقتنيي الأجهزة الذكية ومستخدمي شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) وهو أمر لا يمكن إنكاره ولا التجاوز عنه ، وإنما يجب علينا ضبطه ووضع نسق معين للإستعمال لكي لا تطغى على الجوانب والمتطلبات الأخرى من حياتنا ، وكذلك معرفة كيفية توظيفها بطريقة تؤتي بثمار جيدة وتلقى مردودها الطيب على الفرد والمجتمع . وعلى الجهات الرسمية في الدولة القيام بواجب التوعية لكافة الشرائح المجتمعية وفي المؤسسات التربوية والتعليمية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق