المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا
المحور الأول : كيف يفكر شباب اليوم و ما هي نقاط ضعفه و قوته
صاحب المقال الفائز بالمركز الخامس في المحور : محمد بن شافي الهاشمي_ سلطنة عمان
المقال :
شباب اليوم بين سندان الواقع ومطرقة المأمول
حبا الله سبحانه وتعالى الإنسان وكرمه وأنعمه وأصبغ عليه صبغة العقل والقدرة على التفكير، وزوده بقدرات تحليلية وتفسيرية وقدرة على استنتاج أو اقتراح أو استنباط النتائج، وقد تعددت وتنوعت وتشعبت أساليب التفكير لدى البشرية منذ قيام الحضارة حتى يومنا هذا، فما كان معهوداً ومألوفاً في السابق تغيرت النظرة إليه من جميع الجوانب، وما ساهم بشكل كبير في هذا التغيير هي الوسائل التقنية والتكنولوجية الجديدة التي جعلت أساليب وطرق التفكير تختلف.
فالإنسان منذ ولادته يمر بمرحلة تسمى مرحلة التمرير والدوران على جميع ما حوله من معطيات بيئية ومجتمعية وتشكل له معطيات دلالية وفكرية وكلها تؤثر بشكل أو بآخر على سلوكه وتصرفاته ونمط تفكيره، حتى يصل إلى مرحلة النضج (مرحلة الشباب) ويصبح صاحب سلوك وفكر واضح ومتزن ومعروف.
ومع تطور الحضارة وتبدل معطيات الحياة التي حولنا نشأ جيل من الشباب يمكن أن نطلق عليه الجيل الثالث أو الرابع أو الجيل المعلوماتي الشبكي الذي ينمو ويواكب التطورات التقنية الحديثة التي كان لها الأثر البالغ في تحديد هويته ككائن حي وتحدد شخصيته من خلال علاقاته مع الآخرين، ونتج عن هذه التقنية الحديثة جيل متعلق بالبرمجة بأنواعها وبالوسائل الحديثة التي يرى أنه لا يستطيع العيش بدونها.
الشباب أمل وتفاؤل
يعد الشباب ثروة عملية وإنتاجية وهم من الأدوات الهامة والمحورية من أجل النهوض بالتنمية الشاملة، وتبنى الأوطان بسواعد أبناؤها الشباب فهم القوة المحركة والداعمة لعجلة التقدم والرقي، وإذا تلقى الشباب التأهيل والتعليم وتوفرت لهم سبل الرعاية الصحية، وضمنت لهم الحكومات العيش الكريم سينشأ لديهم تفكير قائم على حب الوطن والرغبة في التضحية والنضال في سبيل الرقي بمكنوناته، وإذا حصل العكس فإنه يكون شخصية مضاده للمجتمع وضد وطنه وضد نفسه أيضاً، ولكن شباب اليوم يتسمون بأن لديهم من القدرات ما يفوق أقرانهم في الماضي فلديهم مواهب وقدرات على التفكير والتحليل والتفسير والاستنتاج وأغلبهم تجد أن لديه معلومه عن شئ أو اهتمام في أمر معين يتسم بطابعه وشخصيته.
هذا إلى جانب اعتمادهم على خبراتهم الذاتية وعدم الاهتمام بعملية التلقين المعهودة في السابق واعتماد منهج التعليم الذاتي من خلال استعماله وتوظيفه للتقنية من أجل الحصول على المعرفة، وأضحى جيل الشباب اليوم أكثر اعتمادية على أنفسهم وأكثر استقلالية في التفكير عن غيرهم، فنمط الصمت والقطبية الواحدة التي تقول أن الفرد يقود الجماعة أضحت منصهرة نوعاً ما في ظل وجود إختلافات فكرية في الرأي في شباب الجيل الحالي.
ونتج عن هذه الاستقلالية في الرأي والفكر هوية خاصة تميز شباب اليوم ونظرتهم للمستقبل، فهم ينظرون للمستقبل على أنه شكل من أشكال التحدي ويجب أن يخوضوا هذا التحدي ليبرزوا مكانتهم في المجتمع، التي تتحدد بها هويتهم وشخصيتهم الحقيقية، فأصبحوا نوعاً ما يتسمون بالكبرياء والغرور ويضربون جل ما يتلقونه من الأكبر سناً عرض الحائط، سواء كان ما يقال لهم في مصلحتهم أو يعرفهم على أخطائهم.
الشباب خوف وترقب ومستقبل
وعلى الرغم من توفر جميع المعطيات لهذا الجيل من الشباب والاستقلالية في الرأي والتفكير إلا أننا نجد أن لديهم خوف يتسم في خوفهم من المجهول، ولعل هذا المجهول يكمن في المستقبل فنجد أنهم يواجهون نوع من الصعوبة في توقعاتهم للمستقبل فهم يتأملون ويبنون عليه طموحاتهم ولكنهم أكثر تخوفاً عن السابقين في شعورهم بنوع من الاستقلالية والرغبة في مواجهة المستقبل بعيون مملوءه بالترقب والإنتظار، ودائما التوقعات حاضرة لكل ما يجول في خواطرهم من هموم وأفكار وخوف من نظرتهم للواقع الذي يعيشونه وما سيكون عليه مستقبلاً، كما أن لديهم أسئلة تدور في أذهانهم دائماً حول واقعهم الاجتماعي وأسئلة تتكرر دائماً حول ماذا سنفعل في مجتمعنا وماذا سنقدم له، وأين دورنا في المجتمع الآن.
كما أن شباب اليوم لديهم حب ونوع من المشاركة المجتمعية والسياسية بمختلف القضايا والأحداث، وأكثر هذه المشاركات يصبونها في مواقع التواصل المجتمعية وهذا بالطبع يثري لديهم الوعي بمختلف الأحداث ولكنهم أكثر خوفاً من المواجهة والإنخراط في المجتمع فالعلاقات القائمة في مواقع التواصل الاجتماعي هي علاقات افتراضية وغير حقيقة وحتى الأسماء المندرجة في هذه المواقع لا تعدو كونها سوى مسميات وهمية وغير محددة الهوية، لذا نجد أن لديهم نوع من العزلة عن المجتمع ويتسمون بنوع من الإنطوائية وعدم التحرر من سيطرة التكنولوجيا حتى عندما يحضرون لمآدب مجتمعية (حفلات زواج، عزاء) نجد أنهم يميلون إلى العزلة والإنطواء مع أجهزتهم التي تضج بمختلف برامج التواصل المجتمعية، وهناك أمر آخر تولده هذه العزلة عن المجتمع ألا وهو الهدوء حيث أنهم أكثر هدوءاً وتنظيما عن السابقين ويتسمون بالرغبة في أغلب الأحيان في الإنزواء وعدم المشاركة إذا أتيحت لهم الفرصة.
كما أنهم يجدون عدم الرغبة في قبول الأوامر من قبل المسئولين فيتسمون بنوع من الغرور والكبرياء، وعدم قبول أي رأي لا يتوافق مع تفكيرهم أو تطلعاتهم، وهم أكثر جرأة وإنطلاقة ولا يجدون غضاضة في إحراج أي شخص أو إيقافه عن الحديث إذا لم يتوافق مع المعتقد والفكرة التي يحملونها برأسهم.كما أنهم يتجاوزون حاجز الزمن بمعنى أنهم يسابقون أعمارهم، فتفكير شاب ذو الخمسة عشر ربيعاً كأنه تفكير شخص يبلغ من العمر الثلاثون عاماً سابقاً.
وشباب اليوم أكثر رغبةً في التغيير فهم أكثر ميلاً للملل وأكثر حباً للتبديل، فنمط حياتهم يريدون كل يوم كأنه يوم جديد يختلف تماماً عن سابقه، ولا يحبون الروتين الملتزم بنظام معين، لذا نجد أنهم أكثر ميلاً للتغيب عن دواماتهم وعن مواعيدهم، وأقل إلتزاماً في مؤسساتهم العسكرية التي تلتزم بنظام الضبط والربط، ولو أتيحت لهم الفرصة لأمتلكوا مشاريعهم الخاصة فهم أكثر ميلاً إلى الإستقلالية في مصدر الدخل وعدم الرغبة في الحصول على مورد من مصدر معين تمليه عليهم مؤسسة أو غيرها، بل الرغبة في إنشاء مشاريعهم الخاصة.
كذلك هناك ميول وعزوف كثير من الشباب في الجيل الحالي عن أداء بعض الأنشطة البدنية والرياضية وتعلقهم بالتكنولوجيا بشكل كبير والتي تقلل من نسبة حركتهم، مما يسبب لهم ضعف في القدرات البدنية. وقلة النشاط يصيبهم بالخمول والأمراض غير المعدية مثل: السكري والضغط وغيرها وخصوصاً دول الخليج التي تتميز بأن مناخها حار في أغلب شهور السنة ورغبة الشباب في الجلوس بالمنزل ومتابعة التلفاز أو الدخول إلى الشبكة العنكبوتية، وحتى إذا ألموا بالخروج استقلوا مركباتهم بدلاً من الحركة البدنية.
الشباب طموح واعد
شباب اليوم هم صناع الغد كما أنهم سلاح ذو حدين فلديهم طاقات كامنة إذا تم استغلالها سيكونون حاملي راية الجيل الواعد المتفائل الذي يعتز بقيمه وإنتماءاته، وإذا تم هدر هذه الطاقات وعدم استغلالها سيتولد لديهم نوع من الإغتراب واليأس والإحباط، فتنتشر لديهم العشوائية في التفكير والتخطيط والبناء، وتتحول الاستراتيجية القائمة على البناء إلى معول هدم وتدمير للمجتمع بشكل عام ولأنفسهم بشكل خاص.
فيجب الإهتمام بالشباب واستغلال طاقاتهم التي إذا تفجرت بشكل إيجابي كان لها أثراً بارزاً حاضراً ومستقبلاً، وإذا حدث العكس فإنها ستدمر الحاضر والمستقبل، ويجب الإهتمام بالطاقات التي يمتلكها هذا الجيل من الشباب، فهم أكثر وعياً وعلماً ورغبةً في التغيير وحب الإطلاع، وهم صناع الغد وقادة ذو طباع حادة يجب الإهتمام بتوفير سبل الراحة لهم حتى يتحقق لهم الاستقرار النفسي والمهني.
ويجب الاهتمام بتجويد البرامج الإعلامية التي تقدم لهم فهم يقفون أمام بحر هائل من البرامج على الشاشة وما فاته على الشاشة يمكنه أن يبحث عنه ويجده في الشبكة المعلوماتية، ويجب أن تشكل لهم رسائل إعلامية باعثة للتفاؤل والطمأنينة وغرس روح الإنتماء، وجذبهم لبلدهم وغرس قيم حميدة قائمة على مبادئ إسلامية، وتحمل بين ثناياها مبادئ التكافل وتكافؤ الفرص وتوفر العدالة الاجتماعية، ونزاهة القضاء واستقلاليته عن السلطة، والشفافية في التعاطي مع مختلف القضايا وكشفها سواء كانت تحمل أخباراً جيدة أو سيئة، وعدم التشجيع على ظهور الشائعات أو تأويل القصص والقضايا والتي ما أن غاب الخبر أنتشرت الشائعة، فيجب أن يتم الأخذ في الحسبان أن الجيل الحالي من الشباب يجب أن يتم احترام عقله وتفكيره وتزويده بالأخبار الحقيقية الواقعية حتى لا يركن إلى البحث عن مصادر مجهولة تكون عرضةً للتأويل وظهور الشائعة.
ويجب إشراك الشباب في صنع المستقبل فهم أداة هامة من أدوات النجاج والتنمية المستدامة، ويجب الاهتمام بالتخطيط العلمي الجيد وعمل الدراسات والبحوث في سبيل تطوير الأنظمة التعليمية في البلد، لأن العلم هو أساس التقدم والإزدهار، فإذا توفر تعليم يتسم بالجودة فإن الجيل سينتج شباباً لديهم خططاً وافكاراً تشكل نماذجاً مشرفةً لبلدهم ولذويهم. ويجب أن تتم عمل الإصلاحات في بعض المؤسسات الصحية وتوفير الرعاية اللازمة، إلى جانب المؤسسات الخدمية الأخرى، فالجيل الحالي متذمر وساخط ويرغب في التغيير وبالطبع يرغب في التغيير للأفضل، فيجب أن تتم إحترام هذه الفكرة وهذه العقلية التي يمتلكها.
كما أن جيل الشباب الحالي يرفض العولمة التي ترى ضرورة التدخل بشؤونه الداخلية، ويقبل تلك التي تعرض ما تقدمه وتتيح له الإختيار، ولا يحبذ التعرض لضغوط من أجل إقناعه بفكره أو عمل معين ولكنه يريد أن تتاح له حرية الإختيار من بين المعطيات.
ولا ننسى بأن الشباب هم شرارة التغيير في البلدان وما جرى من أحداث عالمية كفيلة بشرح ذلك، فيجب أن يشارك وتتاح له الفرصه لأن يصل بصوته وفكره وأن يصغى لحديثه ومتطلباته، وأن تستثمر طاقاته، وتوفر له الوظائف ليستثمر فيها وقته لبناء وطنه والقضاء على وقت فراغه بما يكفل له الحياة الكريمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق