المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا
المحور الأول : كيف يفكر شباب اليوم و ما هي نقاط ضعفه و قوته
صاحب المقال الفائز بالمركز السابع مكرر في المحور : عبدالرحمن بن عبدالله البوسعيدي
المقال :
كيف يفكر الشباب اليوم (نقاط الضعف والقوة)؟
ليس في عمر الإنسان طور يكون فيه أشدّ عزيمة و اتقاداً من طور الشباب، وهل أخبرَ التاريخ عن فتحِ عظيم أو حضارة زاهرة بنيت بلا سواعد شابة وعقول طموحة؟ والطموح جذوة الشباب ومصدر إلهامه، فما من شجرة إنجازٍ عظيمة إلا وقد سقاها فكرٌ طَموح ألهم السواعد والعضلات فشيّد الصروح و الحضارات، وعلى هذا أكدَّ الشاعر :
إذا أنا أكبرتُ الشباب ** فإن الشباب أبو المعجزات
حصون البلاد وأسوارها ** إذا نام حراسها والحماة
والشباب - وحده - هاهنا كالجسد من الإنسان، أما فكره فهو الروح التي لولاها ما صنع الجسد شيئاً، فالفكر الناضج هو الذي يحرر الأهداف المظلمة بداخلنا ويخرجها إلى الواقع إنجازات مضيئة أما الفكر الواهن فليس ينير درباً ولا يبني مجداً، وإنما مثل ذلك كمثل الفراشة التي تطير على جناحيها وتمضي قدماً في حياتها إن هي خرجت ناضجة من شرنقتها، وتذوي وتموت إن خرجت من شرنقتها ولمّا يكتمل نموّها.
وبعدُ فإن الحديث في فِكر الشباب اليوم لا يستقيم إلا إذا حددنا العوامل الواقعية التي كوّنت فِكر الشاب و هي كثيرة - وربما أن مصادر جديدة لم تكن موجودة من قبل قد اخترقت فكر الشباب اليوم وأصبحت تحرّك فيه وتؤثر- ومن أبرزها:
- الأسرة : ولهذا العامل دور أوليّ جوهريّ فالناشئ مرآةٌ لصورة أبيه، الصورة الأخلاقية لا الصورة الخَلقية الموروثة فحسب؛ فإذا كان الوالد حلو اللسان، طيبّ الخُلق، ذو فكرٍ راقٍ متفتح متبصر بالحياة؛ فلا ريب أن الابن سيستمدّ هذه اللبنات من أقرب الناس إليه ليبني بها شخصيته، أما إن كان الأب جاهلاً بالتربية وأساسياتها جهلاً منعكساً على شخصيته فإن ابنه لن يكون في منأىً عن ذلك :
مشى الطاؤوس يوماً باعوجاج ** فقلد شكل مشيته بنوه
فقال علام تختالون؟ قالوا ** بدأت به، ونحن مقلدوه
فخالف سيرك المعوج واعدل ** فإنا إن عدلت معدلوه
وينشأ ناشئ الفتيان منا ** على ما كان عوّده أبوه
أما الأم فهي المدرسة الأولى للناشئة والمنهل الأول الذي تستمد منه الأخلاق و المبادئ، وإن جيلاً من النساء الفضليات المتعلمات كفيل بتخريج لواء من شباب يحملون العلم و يبنون صروح الحضارة وما زادُهم في ذلك إلا التربية التي تلقوها في الصغر:
وأخلاق الوليد تقاس حقاً ** بأخلاق النساء الوالدات
وليس النبت ينبت في جنانٍ ** كمثل النبت ينبت في الفَلاة
وخلاصة القول أن مثل الناشئ كمثل القطعة من الأرض، إن تعهدها الزارع بالحراثة والعناية، وغرس فيها البذر الصالح، و وفرّ لها حاجتها من الماء، استحالت جنة خضراء وافرة الثمار، وإن هو لم يولِها اهتمامه و رمى عليها البذور رمياً وتركها بلا ماء، فأنى لها أن تنتج الثمار الجيّدة؟ لا شكّ أنها ستظلّ مقفرة على حالها ولن يأتي منها رزقٌ ولا نفع.
- البيئة المحيطة: ما من أحد منا إلا ويتأثر بالبيئة التي يعايشها تأثراً ينعكس على تعاطيه مع الحياة ولنأخذ أنموذجاً على ذلك النهضة الفكرية الأدبية في العصر العباسي؛ في تلك الحقبة الزمنية التي أنارها مفكرون وأدباء عظماء كأمثال الفراهيدي والجاحظ و ابن الهيثم و الخوارزمي، وشعراء عمالقة كالمعري والبحتري والمتنبي وآخرون، ألا يجب أن نسأل التاريخ كيف صعدت هذه الأسماء إلى سماء الفكر والعلم والأدب؟ و ما الذي أخرج لنا تلك المراجع الثريّة والقصائد العبقرية التي خلّدها التاريخ من عقول أصحابها؟
لقد كانت تلك الصحوة الفكرية نتاجاً للاهتمام بالعلم والعلماء فكان الخلفاء يقرّبونهم و يبجلونهم ويزنون لهم وزن الكتاب ذهباً بل ويوفّرون لهم المراجع التي يحتاجون لها في بحوثهم و دراساتهم، وقبل ذلك كله كان الاهتمام بطلبة العلم في أوجه ففي المدرسة المستنصرية التي أُنفِق على بنائها 700 ألف دينار ذهبيّ، ولرعايتها مثلهنّ سنوياً، كان الطلاب يدرّسون علوماً شتى على يدّ علماء ذلك الزمان، وكانت تشتمل على جميع المرافق التي نراها اليوم في الجامعات فنحسبها أمراً عظيماً ففيها المسجد وقاعات الدرس والطعام والمسكن والبستان، وفيها خزانة الكتب التي حوَت 80 ألف مجلّد!
ومن هذه النظرة السريعة الجامعة نستبين الأثر العظيم للبيئة المحيطة على تكوين الشاب فكرياً وتزويده باحتياجاته العقلية المعرفية، ولا شكّ أيضاً أن التكنولوجيا اليوم باب من أبواب التربية الحديثة فالحال اليوم أن يقوم الشاب من فراشه فيعمد إلى هاتفه ليدرك بلهفة ما فاته في نومه، فما بالك بباقي الوقت؟ وفي الحديث عن هذا الجانب لا بدّ أن نقرر قاعدة أكيدة وهي أن التربية الإلكترونية ليست مقيّدة بحكم ثابت، فلا يمكن أن نحكم بأنها تامّة النفع أو أنها عامّة الضر، بل الأمر هنا بالقياس فهنالك من الشباب من يطوّعها لغايات علمية ثقافية وهناك من ليس نصيبه منها إلا الغثاء وشتان بين الفريقين.
وحتى لا نبتعد عن موضوعنا الأصلي فلننظر إلى حاضرنا المعايش نظرة محايدة حتى نستكشف مواطن القوة و الضعف، لو فرضنا أن مُسافراً عبر الزمان أتى من أحد العصور الإسلامية المزدهرة؛ عصور "الألق الفكري"، أقبل وأناخ بعيره على عتبة حاضرنا، وترجّل يستشرف واقع الشباب مستشفاً منه واقع الفكر الذي نعيش فيه الآن!، إليكم ما أحسبه يراه:
نقاط الضعف في فكر الشباب اليوم :
- ضعف الهوية: لم يعد كثير من الشباب اليوم على صلة وثيقة بهويته الإسلامية العربية فنجد شباباً كثر لا يبرزون هويتهم الأصيلة في مناحي حياتهم المختلفة، تمشي فترى أمامك من يترك اللباس العربي الموروث ويعمد إلى قطع ملوّنة لا يكاد بعضها يغطي العورة -وهي في العرف الشرعي من الصرّة إلى الركبة-، وفي شارع آخر سيقابلك من يضيق على جسده باللباس الذي تحسبه ما خيط إلا عليه وما يُنزع عنه إلا بتمزيقه! ومن الشباب من هو مولع بالغرب في كلامه ولغته فلا يكاد لسانه ينطق جملة عربية إلا وبها شائبة أعجمية، وما ترك قوم لغتهم وهويتهم وعمدوا إلى ما عند غيرهم وهو أدنى و أوهن إلا ضلّوا وضعف شأنهم و هانوا بين الأمم، وهل فوق الإسلام دين وهل أغنى من العربية لغة؟
- ضعف الثقافة: لا يخفى على الناظر أن يرى مشاهد تؤكد على هذا منها نكوب الشباب عن القراءة، فكثير من الشباب لا يعرف أيّ شيء هي الثقافة و لو طلبت منه أن يقرأ كتاباً يغذي به عقله نفر و فزع، وهذا ما أنتج لنا شريحة كبرى من الشباب جلّ ما تقرأه هو ما يتداول في برامج "الدردشة" و هذا فتح بلاء آخر يقصم ظهر العربية فكثير من الشباب لا يكتب رسالة إلا و بها من الأخطاء الإملائية ما لا يعلمه إلا الله! هذا في الإملاء فما بالك بالنحو وسائر المقاييس اللغوية؟
هذا وإن كساد الثقافة لينعكس على أخلاق الشباب كما تنعكس الصورة على صفحة المياه، فنجد في واقعنا اليوم كثيراً من الأخلاقيات السيئة المقيتة وما هي إلا نتاج الوهن الفكري الذي أصبح سرطاناً يتغذى على أدمغة كثير من الشباب، و المجتمع عن ذلك في غفلة.
وليس المجال يتسع للإسهاب في ذكر المساوئ الفكرية لدى الشباب في حاضرنا، وقد يقول قائل أن ما ذكرناه مبالغة، ولكن ليس من سمع كمن رأى، فلينزل المشككون إلى مدارسنا وشوارعنا ليلمسوا... نسيت! لا داعي لأن ينزلوا للواقع فهو الآن بين أيديهم، ليلمسوا شاشات هواتفهم وليتلمّسوا من خلالها الواقع.
حسناً، لا يزال هنالك بصيص أمل - كما يقولون – و لقد تعمّدتُ أن أقلب الآية و أذكر نقاط الضعف في البداية، حتى يكون ختام المقالة باعثاً بالأمل فإلى نقاط القوّة في فكر الشباب:
نقاط القوّة في فكر الشباب اليوم:
كما أن هناك شريحة من الشباب اتخذت الفكر الضعيف سنداً لعقولها، فإن هناك شرائح من الشباب ترفع راية البناء و تمشي في مسار صحيح وفق فكر سليم يدفعها للأفضل، الأفضل للهويّة وللثقافة وللأمة بردائها الواسع، وإن كان في هذا كله ركيزة أساسية تدعونا إلى نتفاءل بالشباب اليوم فهي روح المبادرة، وهي من المبشرات بمستقبل أكثر إشراقاً فهناك من الشباب من ينظر ويفكّر و يقوم بالخطوة الأولى ويثابر حتى ينجح، فالابتكار هو ما تستند عليه النهضة في تقدمها و لا خوف على أمة تحمل عقولاً مبدعة إن هي تبنّت هذه العقول وغرستها في مواطنها التي يُضمن أن تثمر فيها، ثمار العقول لا ثمار البطون.
وخلاصة القول أنه لا يزال هنالك متسع لنخيط الممزق في واقعنا الفكري، و حسب الشباب أن ينيروا دربهم بهذه المعاني الرائعة والكلمات البارعة في قصيدة شوقي التي خطَّ في مطلعها:
أقدم فليس على الإقدام ممتنع ** واصنع به المجد فهو البارع الصنع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق