المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا
المحور الثاني : طرق لتطوير الأنظمة التعليمية القائمة على الحفظ و التلقين لا على الفكر و التفكير
صاحب المقال الفائز بالمركز الرابع في المحور : نصرى بنت عامر الحبسية_ سلطنة عمان
المقال :
تطوير الأنظمة التعليمية والمناهج الدراسية ...
بين الواقع والمأمول
مقدمة
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد أشرف الخلق أجمعين, وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين... أما بعد.
إن علو الأمة و ازدهارها هدف أي شعب من الشعوب مهما اختلفت عاداته ومصادره. وهو حلم لا يأتي بالصدفة أبدا, بل يحتاج إلى عمل دءوب من قبل أشخاص ذوي قلوب مؤمنة وهمم عالية. ومثل الأمة كمثل البنيان, فأول ما يجب توفره في أي بنيان هو قوته وصلابته, فإذا كان البناء حسن المنظر ولكن ذو أسس ضعيفة فلا خير يرتجى منه. فنقوشه الملونة البديعة لن تحول بينه وبين حقيقة انهياره في أي لحظة !. وكذلك هي الأمة إن بنيت على أسس من هباء ثم سعينا جاهدين أن نزينها ونجملها في أعين الغير, فعلينا أن نسعى بعد ذلك لمعرفة موعد انهيارها وسقوطها.
سيجول في خاطرنا سؤال الآن : ما هي الأسس اللازمة لبناء الأمة؟... ستتعدد الإجابات حينها وستكثر. سيجيب كل شخص بما يميل إليه ويرى أنه الصواب, ولكن لو تعمقنا في تلكم الأجوبة سنجد أن جميعها تنبع من جواب واحد أو أنها لن تكون أسس قوية إلا بعد أن يتقوى ذلك الأساس. فالاقتصاد والوحدة الوطنية والأمن القومي ...الخ جميعها أسس لبناء الدولة القوية, ولكنها لن تتوافر إلا إذا توافر التعليم السليم. ذلك التعليم الذي يقدم علما لا يكتفي طالبوه بمعرفة القراءة والكتابة فقط, بل ويصعدون مراتب عليا في تحصيله وتطوير فكرهم . واضعين نصب أعينهم أن المعرفة ليست وعاءا يجب أن يملأ بل نار يجب إيقادها.
ألم نتساءل يوما عن سبب تواجد مستويات للتطور المعرفي بين الدول؟ ... إذا أمعنا قليلا سنجد أن السبب يرجع في ذلك إلى اختلاف الأنظمة التعليمية . فالعلم متوفر ومتاح للجميع ولكن طرق توصيله وسبل التعرف عليه اختلفت وتعددت وكذلك الرغبة في تحصيله, وبذلك ظهر لنا التفاوت في المستوى المعرفي بين الدول. بمعنى آخر... توافر المادة التعليمية في إحدى المدارس لا يعني البتة أن جميع الطلاب أو غالبيتهم قد استوعبت تلك المادة. لأن الأمر لا يعتمد فقط على توافر الشيء من عدمه, بل ويتعدى إلى الطريقة المستخدمة أو المنهجية اللازمة لإيصال تلك المعلومات.
ونظرا لأهمية التعليم كونه أولى الأسس في بناء الأمة كما اسلفنا, سارعت الدول وما زالت في سباق لتطوير أنظمتها التعليمية؛ رغبة في تحقيق أقصى درجات الاستفادة لطلاب العلم في مؤسساتها التعليمية. ويمكن تحقيق ذلك أولا بمعرفة الأسباب التي تؤدي إلى ضعف الأنظمة التعليمية, ثم معالجتها وإيجاد الحلول لها وكذلك ابتكار وتطوير عدة طرق للتعليم كالاهتمام بالمناهج والبرامج التعليمية الدراسية.
وسأقوم بعرض موجز في مقالي هذا لبعض الأخطاء الشائعة في النظام التعليمي والمناهج الدراسية وكيفية معالجتها مع طرح بعض الحلول المقترحة لذلك.
معالجة بعض الأخطاء الخاصة بالخطط والسلوكيات التعليمية
تخيل أنك تجري حوارا مهما مع شخص ما وأردت توصيل فكرة معينة له, ولكنه ببساطة لم يفهم ما ترمي إليه, فماذا ستفعل؟... هل ستعيد نفس الجمل والإيضاحات السابقة أم أنك ستطرح فكرتك بصياغة أخرى كي تضمن وصول الفكرة ؟... هذا تقريبا ما يحدث عند شرح المعلم في غرفة الفصل. سنجد أن بعض الطلاب سيفهمون من الشرح الأول والبعض الآخر فلا, وهنا تكون نظرة الجميع بأن الفئة الأخرى تعاني قصورا في الفهم !. هذا التصور يحبط الكثير من الطلبة بشأن قدرتهم على الاستيعاب لاحقا. ولذلك فإن تنويع المعلم لطريقة الشرح ليست إلا متطلب لموائمة طرق التفكير المختلفة للطلاب. ومن الحلول التي تعين المعلم على تنويع طرق الشرح هي استخدام الوسائل التعليمية كالنماذج المجسمة والأشكال والمخططات والخرائط. وكذلك محاولة إدخال التكنولوجيا في الشرح كاستخدام السبورة التفاعلية وشاشات العرض الرقمية ...الخ. ولعل من أبرز الطرق لتوصيل المعلومات هي تطبيق ما نتعلمه وهذا ما أوضحته المقولة "أخبرني وسوف أنسى ... ارني وسوف أتذكر ... دعني أفعل وسوف أفهم" , فكلما طبق الطلاب ما تعلموه ثبت ذلك في عقولهم لأنهم رأوا بأنفسهم كيف يحدث الشيء وكيف يمكن استنتاج المواضيع المتعلقة به بعد ذلك.
وإذا كانت طرق التفكير تختلف, فالقدرات أو كما يطلق عليها نوعية الذكاء تختلف من شخص لآخر. ومثالا على ذلك كما توضحه الصورة فإن أي اختبار ما لا يجعلنا نحكم بأن هناك شخص ذكي بالمطلق وشخص آخر لا يمتلك أي قدرة أو ذكاء !. لأنه هذا التقويم أو الاختبار يبحث عن قدرة معينة , والتي لا يمكن بأية حال أن نجدها في كل الأشخاص. كما أن علم النفس الحديث عرف الذكاء بأنواع عدة ولذلك فعلى الأنظمة التعليمية أن تحترم هذه الاختلافات بين الطلبة محاولة تشجيع وتطوير قدرات ومواهب طلابها. وكذلك يجب أن تجد أنواع مختلفة من النشاطات التي تغطي اهتمامات الجميع.
إيجاد الحلول والطرق ومعالجة الأخطاء والثغرات في المناهج الدراسية
الرواية السطحية المملة هي التي تخبرك بكل التفاصيل والأحداث. بحيث لا تحتوي على عنصري المفاجأة والتشويق, واللذان يحفزان على التساؤل والتفكير. ليجد القارئ نفسه حينها نائما في منتصف العرض! وكذلك هو الحال بالنسبة للمناهج التي تضع ذلك الكم من المعلومات في أسلوب خبري ممل, ليلعب الطلاب دور المتفرج (الحافظ) إلى أن تفرغ صفحات المنهج! وقد ذكرت وصف (الحافظ) لأن الطلبة يجابهون هذه المناهج بحفظ كل ما تعرضه عليهم!... عذرا يا أيها المنهج ... فكل ذلك الكم الهائل من المعلومات لن يرافقني مدة طويلة, ما نخرج به من الدراسة هو تطوير منهجية ذلك العقل. ولكن تحويل الدماغ إلى وعاء يتم ملئه وتفريغه في كل مرة, سيجعلنا نخرج بوعاء فارغ جزئيا في نهاية المطاف ... وعاء لم يتغير شكله لكنه أصبح قديما مع كثرة الاستعمال (غير المجدي).
وعندما يغيب عنا الهدف الأساسي من العلم, تغيب الفائدة الحقيقية. فجلوسنا على مقاعد الدراسة طيلة تلك السنوات, ليس للحصول على علامات كاملة في كل مرحلة, بل هي فائدة أسمى من ذلك وهي الاستعداد للتعامل مع العالم الذي نعيشه. ففي دراسة أجرتها مجموعة دراسة الرياضيات المدرسية(S.M.S.G) أظهرت بأن الطلبة يدرسون الرياضيات ولكنهم لا يطبقونها بشكل صحيح خارج المدرسة وبذلك أظهروا اتجاهات سلبية نحوها. ولعل من أسباب ذلك هي تلك المناهج التي حولت تلك العلاقات المهمة إلى مجرد مفاهيم جامدة ولم تدمج الواقع معها وبالتالي واجه الطلبة صعوبة في التعامل مع هذه العلاقات في الواقع. إذن ربط المناهج بالواقع الذي نعيشه أمر مهم جدا, فكل تلك القوانين والعلاقات ستصبح بلا فائدة إن لم يستطع الطالب التعامل معها بواقعية خارج غرفة الصف!. وإلى جانب ذلك فإن الربط بالواقع وذكر التطبيقات الحياتية ستسهل عملية الفهم لدى الطلبة, لأن ما يدرسونه الآن إنما هو واقع عايشوه بالفعل مما يزيدهم تحفيزا لتعلم المزيد. ومن الأدوار التي يجب أن تقوم بها المؤسسات التعليمية لتفعيل المناهج هو إقامة المسابقات المرتبطة بالمنهج, لتجمع المتعة و الاستفادة في آن واحد.
ولعل من الثغرات الأخرى هي الازدحام في المواضيع والدروس, محاولين تغطية وضم كل شيء إلى هذا المنهج, بحيث ترى كما هائلا من المعلومات والمواضيع المختلفة في وحدة أو فصل واحد, وبالتالي ليس على الطالب سوى الاجتهاد في إلصاق هذه المعلومات في رأسه لكي يضعها بسلام في ورقة الاختبار وبالفعل ينجح الكثيرون في فعل ذلك . ولا خيار لهم سوى مجاراة هذه المناهج واحتواء كل تلك المتطلبات لأن هدفهم الوحيد هو الحصول على العلامات الكاملة, حتى وإن مضى شيء من الوقت سترى أن جزءا كبيرا من كل هذا الحشو قد ذهب. حينها تقوم كل المبادئ المتعلقة بأهمية العلم وتنمية التفكير بالنظر إلى هذا المشهد والبكاء في صمت! ولتفادي هذا المشهد (المأساوي) يجب أن تهتم مناهجنا بالكيف وليس الكم بدرجة أولى. وذلك من خلال اختيار المواضيع المهمة والتوسع فيها من خلال ربطها بالواقع وتطبيقاته المختلفة وبعد ذلك يتم ربطها بمواضيع أخرى تليها أهمية وتنال قسطا أقل من التوسع, وبهذا ستتكون قاعدة واضحة في ذهن الطالب لموضوع بعينه ومن هذه القاعدة تتفرع عدة مواضيع مشابهة له, يستطيع أن يستنتج ما فيها بنفسه. وربط المناهج للمواد الدراسية ببعضها البعض أمر مفيد للطلبة , فهناك الكثير من الدروس المرتبطة ببعضها في أكثر من مادة , فحبذا لو تتزامن هذه الدروس في المراحل ذاتها , فيستطيع الطالب معرفة جميع الجوانب لموضوع واحد وبالتالي ترسخ تلك المعلومة وبقائها لفترة أطول.
منهج متكامل بين أيدينا !
إن أعظم مثال ناجح لمنهج متكامل بين أيدينا هو (القرآن الكريم), بداية بخطابه الشيق والذي أنزلت آياته بإعجاز بلاغي وبياني جمع بين جمال اللفظ وأهمية المضمون, فأثرت في قلوب قارئيها وأنارت طريقهم. كما تضمن الكثير من الأعجاز العلمي والتشريعي وغيره من أوجه الإعجاز. وقد تراوح خطابه أيضا بين الأسلوبين الخبري والإنشائي. فعندما يكون الحديث عن الأمم السابقة وما حدث من قصص في أزمنة ماضية, وكذلك عن الأمور التي لا يستطيع الإنسان الإتيان بها كالأمور الغيبية يأتي الأسلوب الخبري ليقطع الشك باليقين. أما الأسلوب الإنشائي وأهمه الاستفهام فإنه يستخدم لشد القارئ ودعوته للتأمل والتفكير, كما في قوله تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت). فبمثل هذه الآيات يعمل الإنسان عقله بالتفكير ليستنتج عندها عظمة الخالق سبحانه في كل شيء. إذن أختلف الأسلوب وذلك لاختلاف الأهداف, وهذا ما يجب أن تحتويه المناهج من تنوع في الأسلوب وإعطاء مجال أكبر للطالب ليطور فكره ونفسه, وكذلك تعويده على التفكير المنهجي السليم والذي يعتمد على الأدلة والتجارب لا على التقليد والتلقين.
وبهذا نختم ونؤكد بأن جمال الشكل مع ركاكة المضمون لا يعد تقدما, وعلينا الاهتمام بالعلم وطلابه لنضع أول أساس في بناء الأمة القوية التي طالما أردناها. مع العلم بأن نجاح ذلك مقرون بتوافر الإرادة والطموح, فمهما تكاتفت وتسارعت الجهود في تطوير الأنظمة التعليمية فإنها لن تؤثر بشيء إلا إذا كان الطالب بضمير واعي وعزيمة جبارة. فالله الله يا طالب العلم في تحصيله, الله الله في وطنك ... الذي لم ولن يكل أبدا من انتظارك...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق