المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرا
المحور الثالث : "الفجوة الفكرية بين الأجيال" مفهوماً و مظاهر و آثار و حلول
صاحب المقال الفائز بالمركز الخامس مكرر في المحور : جميلة بنت خميس العبرية_ سلطنة عمان
المقال :
الفجوة الفكرية جيل ثالث
التطورات الثقافية والفكرية والدينية والسياسية تتصاعد في الوقت الحالي وتتطور بتطور الأساليب والطرق المستحدثة فيها وبمزاولتها، مما جعلها تطورات تتنامى سريعا مع تطور العالم السريع في كافة نشاطته، محدثة التغير الذي يبحث عنه العالم ساعية به إلى راحة واستقرار الأجيال البشرية في كافة ميادين الحياة، والتي أضافت جيل جديد بين الجيل الحديث والجيل القديم لتعاصرهم وتزامنهما في فكريهما عبر الاختلاف الذي وجد بينهما والذي شكل فجوة لامسها مجتمعنا ومجتمعات أخرى عبر الأزمان لتكون قضية بحث مستمرة مبلورة في جلسات ونقاشات وبحوث سعى الكثير من خلالها لإثبات الأسباب الأبرز وراء هذه الفجوة والتي محورتها في مقالي هذا.
أساليب تربوية وتمسك بالتقاليد
قد ندرك بأن التطورات التي حدثت في العالم جعلت منا أفراد نعاصر كل ما هو جديد بسرعة الاستجابة لها وتنفيذها، غير مدركين لفائدة التأني فيها وإعطاء العقل مجال للتفكر فيها، وأجيال اليوم تتقبل التغير وتزامنه كمزامنة الظل لصاحبه، عكس ما قد نلتمسه بين جيل التربويين اللذين لم يستطيعوا استيعاب هذا الكم الهائل من التغير والتطور في زمن قصير، متمسكين بكل ما هو قديم –ربما- حتى في أساليب التربية ، والتي أحدثث سببا آخر في توسيع الفجوة الفكرية بين الأجيال، فنحن لسنا في زمن التربية الروتينية التي تعتمدعلى أساليب العنف والشدة والحرمان أو التساهل واللين مواصلة إلى أسلوب العقاب، فجميع هذه الأساليب فقدت مفعولها مع الجيل الجديد، إنما نحن في زمن لا يحتاج منا الحيادية والوقوف عنه جانبا مكتفين ايدينا وإنما تأتي إضافة الأساليب الجديدة التي تدعم قضيتنا هي المفعول في تقليص الفجوة، فمثلا أساليب التجربة والمشاركة والحوار والتشجيع والتحفيز والاعتماد الذاتي وإتاحة الفرص جميعها أساليب ندرك قوة تأثيرها ولكن لا نطبقها، فالجيل الحالي جيل يتميز بالنشاط الحاد وقوة الرأي والشخصية وكلما كان الإصرار في تطبيق أساليب التربية القديمة عليه كلما ابتعد عن مربيه، وجيل آباءنا وأجدادنا من الجيل القديم لايدرك هذا ولا نتوقع منهم ذلك فجيهلم عاش حياة وتقاليد لا زالو متمسكين بها، ولا نطلب منهم التخلي عنها وإنما إدخال بعض من الأساليب الجديدة فيها وتحديث ما هو قديم ليكون أسلوبا يتمتع بالحداثة والتقليد في الوقت نفسه، فجميل منا أن نمسك العصا من النصف مع استفادتنا من ميلان طرفيه.
المعرفة الهائلة والتعليم عالي في بناء الثقافات
إن ما يميز هذا العصر وسائل التعليم وطرقها أصبحت في متناول الجميع وذلك بالحديث عن بلدنا وتجارب الدول المتقدمة بعيدا عن ذكر من حرموا من التعليم في دول أخر وأسباب ذلك، فإن التطور المعرفي أحد المجالات التي شملها التطور، فضغطة واحدة على زر تهل المئات من المعلومات لتحتار ماذا تختار فالمعلومات كثيرة ومجالاتها شاسعة، إن لم تحدد ماذا تريد قبل الضغط على ذلك الزر فسيحدث ما نتوقعه من أحد الأسباب التي أدت إلى اتساع رقعة الفجوة، فخلف ذلك الزر تكمن علوم كثيرة وخلف ذلك الزر تكمن ثقافات كثيرة أيضا من مختلف شعوب العالم فقراءة من هنا وهناك يتسع لدى قارئها حجم المعلومات المخزنة اقتنعا بها أم لا فهو قد اطلع عليها، ناهيك أن أصحاب هذه القراءات هم من الجيل الحديث المتعطش لحب الاستطلاع والاستكشاف خاصة وأن ذلك كله مجاني بدون تعب كثير عكس ما حدث عند الجيل القديم فهم إما أميين أو أنهم تعبوا وشقوا في الحصول على المعلومة في اختلاف سبل البحث والتلقي ومجالات العلم المتاحة آن زمانهم، فزماننا زمان الشهادات العليا التي تميز فرد عن آخر وبالقدرات التي يمتلكها جراء حصوله عليها، إذا فالمقارنة بين كمية المعلومات والاطلاع بين الجيلين جدا فارقة وهذا الأمر دعا إلى أن نضيف بأن المعرفة الهائلة وتطورها لدى الجيل الجديد وما يمتلكونه من تعليم عالي هو وراء الثقافة المكتسبة لكل من الجيلين اللذان كونها من جراء التطور المعرفي والذي أدى إلى تضارب في فكر كل منهما وزاد من الفجوة!!
عيشة وأولويات
الربط بين العيشة والفجوة أمر متناقض –قد يكون- فما دخل عيشتنا بالفجوة، في ربط الاثنين مع بعضهما كثير من التساؤلات ويتضح ذلك في الحصر الذي لم يكتمل للتطوير الذي كررنا مرارا في ذكره فارتفاع مستوى التعليم والثقافي والديني والسياسي الخ نجد أن الجانب الاقتصادي قد تطور بتطور جميع المجالات المحيطة به والمشاركة في تطويره مضيفا إلى قائمة أسباب الفجوة سببا آخر نبحث فيه، فنمو الاقتصاد والسعي إلى تطوير زاد معه غلاء المعيشة ومتطلبات الحياة الأخرى كالتعليم الجيد والمهارات والقدرات والوعي والابتكار والاختراع والثقافة في مختلف المجالات، متطلبات زادت على كاهل الجيل الحالي ليواكب ما يمر به زمانه من ثورات في جميع الأصعدة، والتي تشَكل له ضغط يولد الاختلاف في أولويات الحياة وأسلوب عيشها متجليا ذلك في سلوكه، فليس فقط البحث عن لقمة العيش والاكتفاء بقدر قليل من الثقافة المحصورة بمجالات معينة وهذا ما نجده مع الجيل القديم.
الإعلام وزيادة للفجوة الفكرية
قد يؤيدني البعض بأن كثرة الوسائل الإعلامية وتنوع ما تقدمه من أطباق مجانية للمتلقي، هي في ذاتها أحد أسباب الفجوة، ومع تنوع وسائل الإعلام إلا أن حصرها في الإعلام الإلكتروني يضيف مبحث آخر في قضيتنا، فالإعلام الإلكتروني وما يضمه من مدونات كتابية ومسموعة ومقروءة وتطبيقات ساهمت في سرعة الاتصال والتواصل التي أعطتنا عالم يوفر لنا ما نريد، فشبكات الاتصال الاجتماعي والتواصل عبرها شكلت اختلافا في مفهوم الثقافة المكتسبة عبر الأسلوب الإعلامي غير المباشر فبدل التقصي عن الأخبار والسؤال عنها بين الأصحاب والعائلة وقراءتها في الصحافة الورقية في جلسات تقليدية في مجالس مختلفة أصبح التقصي عنها عبر الإعلام الإلكتروني بزر في جهاز نحمله أين ما ذهبنا، هذا الأمر شجع الجيل الجديد في المواظبة عليه دون الانتباه إلى ما قد يفقده من الإدمان عليه وجعله أسلوب الاتصال والتواصل في حياته، فكم من كاتب وأديب وعالم وسياسي تواصلنا معه وكأن الإعلام الإلكتروني الوسيط بيننا، وهذا أمر إيجابي فهذا النوع من الإعلام وفر لنا الكثير من مشقة البحث والوقت، ولكن تناسينا بأن ليس جميع الجيل القديم من مستخدمي هذا النوع من الإعلام فإيجابيته للجيل الحديث شكل سلبا على الجيل القديم مضيفا للجيل الحديث ثقافة أخرى لا يمتلكها الجيل القديم ومضيفا إلى الفجوة شوطا آخر يحتاج إلى أهدف تبحث عن التعادل بين الجيلين.
مجالات التطور جميعها شكلت سببا من أسباب الفجوة الفكرية، بالثقافة التي بنتها لدى كل من الجيلين، فأساليب التربية والمعرفة والتعليم والاقتصاد متداخلة مع بعضها البعض ومساهمة كل في تقليص وتوسيع الفجوة الفكرية لدى الجيل الحديث والجيل القديم وهذه الأسباب هي الأبرز في أسباب الفجوة الفكرية في مجتمعنا العربي خاصة، هناك أسباب أخرى لم تذكر منها الأسباب السياسية والدينية والتي هي عامل في السلوك الحالي للجيلين ويتضح ذلك في الثورات السياسية التي يشهدها العالم العربي وتعبير كل من الجيلين عنها بأسلوب تضاربت معه المصالح المجتمعية والتي لم يصل كل منهما لتوافق بينهما وإيجاد حل مشترك، فجميع فجواتنا تحتاج إلى ثقافة تبني لنا فكر يتجلى في الأسلوب السلوكي للتعبير والذي يكون الحوار قائده فجميع مشاكلنا نحلها بالحوار واختلافنا يجعل منا أمم وشعوب تبحث عن التعارف والفجوة الفكرية التي بيننا ما هي إلا جيل ثالث يتوسط بين الجيلين ليساهم في بناء حوار تعارفي بناء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق