المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا
المحور الرابع : تأثير التكنلوجيا و وسائل الإعلام الحديثة على الفكر
صاحب المقال الفائز بالمركز الرابع في المحور : عادل غثيث منهل_ العراق
المقال :
تأثير التكنولوجيا ووسائل الإعلام الحديثة على الفكر
تمهيد
ما زالت وتيرة التقدّم العلميّ والتكنولوجيّ متسارعة في مختلف ميادين الحياة، وتخطو بخطى واسعة باتجاه المزيد من التعقيد التقني والدخول في جميع التفاصيل اليوميّة للفرد، وإلغاء الكثير من النشاطات التي كانت تعتمد على الجهد الوظيفي، ونكاد لا نرى مجالا من المجالات يخلو من التقنيّة، ما حوّل العالم فعليّاً إلى قرية صغيرة مترابطة أثيرياً، وجعلت الإنسان على تماسّ مباشر مع العولمّة، وهكذا تمّ ردم الفجوات الزمنية عبر وسائل الاتصال والتواصل المختلفة، ولا شك أن الإعلام كان من أهم المجالات التي أسهم التقدم التقني في تطويرها، فصار أقوى مؤثرات العصر الحديث والموجه الفاعل للثقافة المعاصرة سياسياً واجتماعياً بشقيه السمعي والبصري، وقد خلق هذا الوسيط (الميديا) واقعاً افتراضياً لنمط التفكير المعاصر، ونستطيع أن نعيد صياغة العنوان بأثر توظيف الحدث السمعي والمرئي وانعكاسهما على الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي بالنسبة للمتلقي.
تأثر الفكر بالتكنولوجيا
إن الخوض في هذا الحديث ذو مستويات وأبعاد كثيرة فنحن نتكلّم عن إعادة تشكيل العقل على أساس سلطة الإعلام ليس ببعدها القديم وإنما ببعدها التكنولوجي الحداثي، إذ أن مفهوم الثقافة والتفكير قديماً بنيَ على عدد من المعطيات الذاتية والمعنوية كالتراكم المعرفي والتواصل العلمي والثقافي والاجتماعي وملاحقة مصادر المعلومة، فيما تلغي التكنولوجيا في المقابل جميع هذه المعطيات وبالتالي تخلق نوعاً من غياب النضوج الفكري والشموليّة واستبعاد فرضية أن تكون هناك حركات للنهضة الفكرية وغيرها، حيث ينقسم زمن الثقافة في عصر العولمة إلى ثقافة قديمة تعتمد على الوعي التراكمي للمعرفة تقابلها ثقافة حديثة تعتمد على الميديا وعمليات التواصل التفاعلي، وبالتالي تحويل عادة القراءة المبنيّة على الممارسات المحسوسة إلى قراءة الشاشة الافتراضية مُحْدِثةً غيابا للذة القراءة القديمة التي تشرك وعي القارئ في الكتابة.
صنعت التكنولوجيا واقعا لم يكن قابلا للوجود يوماً من الأيام إلا في أفلام الخيال العلمي، مثل: المصانع التي تديرها الآلات، والسفر إلى الكواكب البعيدة، وهذا غيّر تعامل الإنسان مع الكتاب والمكتبات ومع الإعلام ووسائل الاتصال والمعرفة وخلق الحاجة إلى وجود فلسفة معاصرة تطرح اسئلة أخرى بعد أن تكفّلت التكنولوجيا بالإجابة على الأسئلة العلمية القديمة.
وعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا قد اختصرت المسافات بين المؤسسات العلمية والمعرفية وجعلت كل شيء تقريبا متاحاً وبأقرب السبل وأيسرها، وجعلت الشاشة تصبح الرفيق الدائم الذي تعرف من خلاله أخبار الصحف والمجلات وآخر الإصدارات ومواعيد رحلات الطيران وغيرها، إلا أن ذلك قد خلّف تراجعاً في نسبة الإقبال على الثقافة المدونة، لأنها – في جانب التدوين على الأقل - حلّت محل فعل التراكم المعرفي وثقافة التواصل والانفتاح وذلك لسهولة الوصول إلى المعلومة إلكترونيا، مكثفةً كذلك من الحيّز المادي الذي يتحرك فيه ومن خلاله الإنسان.
التكنولوجيا والإعلام راهناً
من الأمور التي كفلتها التكنولوجيا: الإعلام المتاح، فأصبح النشر الإلكتروني وسرعة وصول النتاج الفكري إلى الجمهور يسيراً وفي متناول يد الفرد، ولأي كاتب أن يكتب ما يشاء كي يصل من دون أي تمحيص إلى المتلقي فحلّ ذلك محل النظرية الثقافية التي تحكم نسقا معينا وأصبح مفهوم التواصل ليس له غاية إلا التواصل الذي يخلو في أحيان كثيرة من التخطيط الفكري الممنهج والذي لا يتحدد بجنس أدبي أو نظام علمي، حيث تختلف هنا طريقة الاحتجاج ويستطيع أي شخص أن يمارس النقد بغياب العناوين الواضحة، جاعلاً ثقافة التكنولوجيا وحيدة الجانب فاقدة لعنصر المعايشة ما خلق فجوة معرفيّة واضحة المعالم بين مستخدمي تكنولوجيا التواصل والواقع الفكري، كما دعا ذلك الفضاء الحر الأقلام الشابة إلى بثّ طاقاتها غير الموجهة - في كثير من الأحيان- عبرهُ، ما شكّل متنفّساً واسعا حملهم زخرفه إلى الظن بأنهم وصلوا إلى الدرجة العليا ثمّ الإيمان القطعي بعد ذلك بأن ما يطرحونه على الساحة له قيمة أدبية حقيقة، وهذا أنتج لنا طبقة عاشت وهماً ثقافيا له لغته وطريقة تواصله، وعزز اعتقادهم بأنهم ينتمون إلى الطبقة الواعية، ويشكلون أعمدة مجد الأمّة القادم.
سيراً مع مقولة الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس وقوله"أن التقنية حولت الإنسان إلى أداة"، فإنها من خلال أدواتها الإعلامية التواصلية استطاعت أن تفقد البعض خصوصياته بنشره كل ما يتعلق بحياته اليومية موثقة بالصور، وبعض آخر ارتدى قناع الاسم المستعار، وكلا الصنفين انقادا خلف مغريات الشهرة والظهور من دون تفكير فأوجدت لنا التكنولوجيا شريحة كبيرة من الكتّاب الذين تخبّطوا في توجهاتهم الثقافية واستقرّوا على أجناس غير صالحة لغير هذا الواقع الافتراضي، إذ سرعان ما تتضح هشاشتها عندما تخضع إلى أدوات النقد الصحيحة، غير أن هذه الشريحة تبقى تدور في دائرة وهم الوعي الفكري، وهو وهمّ يتسع وينمو بشكل متسارع لسهولة أدوات هذا الواقع وسرعة انتشاره وغير بعيد أن يأتي زمن نؤرخ فيه إلى ثقافة التكنولوجيا.
إن الجيل الذي نشأ تحت وصاية التكنولوجيا يواجه تحديات كثيرة في طريق النضج الفكري حيث اعتاد على أمور من شأنها أن تقلّص عطاءه المعرفي وتحدّه بمساحة بسيطة كسرعة الحصول على المعلومات وتوفرّها في أي وقت وأي مكان، خاصة وأن المكتبات تضاءل حجمها حتى استقرّت في راحة اليد عن طريق التقنيّة، فصار البحث عن أي معلومة يسيراً وبذلك فقد الباحث لذّة الاطلاع الشامل على المصادر الواسعة مكتفياً بالمعلومة ذاتها، لذا نجد الكثيرين ذوي أفق ضيّق فاقدين القدرة على الإبداع والابتكار.
إن أحد أسباب عولمة الفكر التي مهّد لها الإعلام هو الرغبة في اختراق فكر الآخر لتكون الحدود الزمانية والمكانية والتاريخية ومسألة الهوية التي بقيت محافظة على استقرارها ومركزيتها واقعة تحت التأثير والمؤثر بالحضارات والثقافات الأخرى مهددة إياها بنظرية نستطيع تسميتها بالمركزية الغربيّة.
ولهذا الموضوع مستويان: إيجابي وسلبي فالإيجابي يتمثّل في إمكانية اقتراب المثقف من الدائرة المحليّة والعربية والعالمية باشتراطات أن يكون مثقفاً واعياً يحمل فكراً إبداعياً، ويستطيع من خلال هذه القناة أن يوصل آراءه إلى قارئيه ويطلع على التجارب الفكرية الناضجة محققاً تلاقحاً فكرياً.
أما السلبي فيكون بغياب خطاب المثقف وانتفاء قاعدته وتأثيره ووسطه ليصبح وسْط (ميديا) ويحيلنا ذلك إلى نظرية البعد التواصلي عند(هابرماس)، فيأتي السؤال: هل حقق التواصل التكنولوجي حقق بعداً إيجابياً أفضل من السابق أم لا؟ وإحدى الإجابات التي يمكن أن نجيب بها على هذا السؤال هي أننا لا نستطيع أن نحدد أزمنة فكرية وأدواراً ثقافية من خلال ما صنعته لنا التكنولوجيا.
ويمكننا أن نطرح أمثلة تكون مصداقاً لما تقدم من كلامنا كالتحولات الكبيرة التي ظهرت جليّاً في الثورات العربية أو ما اصطلح عليه بـ(الربيع العربي) فقد شهدنا ظهور جماعات من العالم الافتراضي قادت حراكا تغييريا رعته التكنولوجيا وحقق نجاحاً في التأثير على الواقع الحقيقي، إلا أن هذا التغيير لم يتبلور إلى نظام له شرائطه بل سرعان ما ضَمرَ هذا الحراك وبقيت إثره تداعياته على أرض الواقع. واستطاع الإعلام كذلك أن يكون ظلامياً في تسويق حوادث أدت إلى انهيارات سياسية واجتماعية ما زالت كثير من الدول والشعوب تدفع ضريبتها.
الخاتمة:
نصل إلى نتيجة غير مطلقة في تأثير التكنولوجيا والإعلام على الفكر وهو أنه:
1. استطاع تحفيز طاقة النقد في جيل الشباب وإطلاق الطاقات غير الإبداعية(الانفعالية) بهموم ذاتية وشخصية
2. أضافت التكنولوجيا شقّاً ثانيا لتاريخ المثقف، يتمثّل الأول في وجوده المعرفي ونشاطه الإبداعي الفعلي على الأرض وفي الواقع المعاش زائداً وجود الشخصي والثقافي في العالم الافتراضي أيضاً، فظهر في سجل حياة كل مثقف صفحة رقميّة تمثّل علامة فارقة في سيرته الذاتية.
3. كان سبباً في ظهور التعصّب بأنواعه على أسس افتراضية مارسوا لأجلها هذه الثقافة على وهم أنهم يعيشون التميّز الحضاري.
4. غياب الشخصنة، فأصبح لدينا مثقف مرئي/ ومثقف وهمي بالتالي خلق شهرة آنية تستند إلى آليات عمل غير مكتملة لتصبح ميولاً فردية تعيش أزمة ظهور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق