السبت، 5 أبريل 2014

المحور الثالث ، الفائز بالمركز الأول

المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا


المحور الثالث : "الفجوة الفكرية بين الأجيال" مفهوماً و مظاهر و آثار و حلول

صاحب المقال الفائز بالمركز الأول في المحور : رحمة بنت خلفان البوسعيدية_ سلطنة عمان



المقال :

الفجوة الفكرية بين الأجيال

الفجوة الفكرية بين الأجيال معضلة يصعب فك شفراتها ومعرفة تاريخ بدايتها وتحليلها حيث أنها الصراع الأزلي بين الأجيال الذي ما زال قائما إلى اليوم وينشد التطور في كل آن لينتج لنا أجيالا لهم فكر يبعد بعد المشرقين عن فكر ذويهم فأورثهم عادات دخيلة على مجتمعاتنا بما يتخلله الملبس والتطلعات والهوايات الممارسة أوقات فراغهم واللغة والمفردات التي تولد علامات التعجب في ذهن المربي

فمع مرور السنين واختلاف العصور منذ الأزمنة الغابرة نجد أن الأجيال تتمتع بخصائص فريدة نتيجة للتطور السريع الأمر الذي أدى إلى الغاء الحواجز السياسية والثقافية والفكرية على مستوى العالم بأسره فأصبح التطلع إلى الأخبار أمرا يسيرا وكأنك تجلس مع كوب من العصير البارد وتتطلع من شباك غرفتك لتصلك أخبار الساعة بل كل الساعة فكلما ابتعد جيل الآباء عن جيل الأبناء ، تتسع الفجوات فيما بينهم وتضيق مساحة الالتقاء الفكري والثقافي وحتى اللغوي

المظاهر:

ولهذه الفجوة مظاهر بارزة في كبد الحقيقة والواقع ،لا تعطينا سنحة لتجاهلها أو الغفلة عنها ومن هذه المظاهر: - التي قد تورثنا الندامة أحيانا بل وفي بعض الأحيان تمنحنا الأمل الكبير لبزوغ فكري عربي معاصر- الأجيال المتحدثة بلغة زمانها حيث أنها تتسبب أحيانا كثيرة في خلق جسر مهدوم بينها وبين الأجيال السابقة لها، و الغرام المجهول للتكنلوجيا الحديثة مما يجعلهم يختلقون عادات خاصة بهم وملابس يتفردون بها وهوايات أخرى تظهر وسط الساحة، كل هذه من المظاهر التي نلحظها تتغير تدريجيا على مر الأجيال

الآثار:

الفجوة الفكرية بين الأجيال سلاح ذو حدين له أثار ونتائج ايجابيه كما أنه في الوقت ذاته له أثار سلبية، فاختلاف الفكر بين الأجيال خلق مستوى تعليمي متفاوت فالأجيال القديمة قام تعليمها على عاطفتي الدين والعادات والتقاليد مفتقرا إلى التأمل والتفكر في أغلب الأوقات بينما نجد النظير العكسي تماما في تعليم الأجيال المعاصرة التي شهدت العولمة وعاشت عصر الشبكة العنكبوتية والصراع التكنلوحي وبرامج التواصل الاجتماعي فهذه الأجيال حضيت بثقافة عالمية غيرت مدارك تفكيرهم ووسعت الأفق لهم وهذه الأخرى تحمل في طياتها الغث والسمين والصالح والطالح فالذكي القوي من ينجح في الأختيار ويتفادى الأعصار لينجو بسلام ويستفيد ويفيد

فظهرت التصادمات بين هذه الأجيال بما فيه التيار الديني إلى جانب التيارات الفكرية، ومن المؤسف فعلا أن مجتمعاتنا العربية تغذت على الانحياز العاطفي لجميع الأمور فتارة ينحاز للعادات وأرث الأجداد وتارة ينحاز للدين بدون عقل يفكر، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول :" لا تربوا ابنائكم على ما تعودتم عليه لانهم خلقوا لزمان غير زمانكم"، فمن هنا نجد أنها ليست معضلة ولا تتطلب منا الخوارق والمعجزات لحلها ولكننا بحاجة إلى بوصلة تحدد لنا المسارات الصحيحة لنسير عليها في تربية هذه الأجيال حتى لا نطغى على حقهم ونسقطها في غيابات الجهل بعد أن كانت قمة الحق مبتغانا للوصل إلى حل مرض يساوي طرفي المعادلة المجهولة دون أن يخل بها فلا نمنع التطور ومسايرة ركب الحضارة ولا ننسلخ كليا فنحدث الفجوة بدلا من معالجتها وتقليصها

فعلي بن ابى طالب كرم الله وجه عندما قال له رجل : " ياعلى لما حدثت الفتنه فى عهدك ولم تحدث فى عهد عمر" ، قال : " لأن عمر كان ولى على أمثالنا وأنا ولى على أمثالكم"، فالحقيقة المؤسفة أن العلاقة بين الأجيال عبر التاريخ يغلب عليها طابع الصراع والانعزال نيابة عن التكامل والتعاون فلهذا ظهر للغرب محاولات مكثفة لعلاج هذه المشكلة أو قد نسميها الآفة، فمن الأسباب التي قد تقود إلى مثل هذا الصراع : الأنحياز إلى المصالح الفردية التي تصحبها الأنانية أحيانا كثيرة ، وغياب فن التواصل والاتصال وقتل الحوار بين الناس والأجيال وكذلك عدم احترام الكفاءت وعدم تشجيع المبادرات خصوصا من الاجيال الصغيرة والشابة والنظرة الدونية أوالأستعلاء في بعض الأحيان كجانب تطرف وتسلط من الأجيال الحديثة ممن جعلت التكنلوجيا شغلها الشاغل، والأهم من ذلك مشكلة تناقض الاهداف بين الأجيال القديمة والمعاصرة

رغم كل ذلك لن نتهم مسايرة ركب التطور هو السبب الوحيد وأن لا متهم بعده فالحياة ومتطلباتها المعاصرة والضغوط البشرية تستدعي مسايرة الركب الحضاري ولكن لا نسير حيث ساروا ونعمل ما عملوا بدون عقل يفكر، فإن غيبنا عقولنا واكتفينا بعواطفنا لن نصل لقبة الحق وسنسقط بغبة الخطيئة فالدين الاسلامي لم يكن حربا فقط بل وسلاما وأمانا ، فلو كانت العاطفة وحدها تلعب الدور وهي من تسيرنا لعبدنا من نحب ولتعددت الأله كفكر نؤمن به ولزادت الفجوة عندها لن نصل إلى حل حتى أن ضاقت علينا الأرض بما رحبت أو أن انطبقت السماء على الأرض ولكن لنا عقولا والدين الاسلامي للعقل اولاً، وللعاطفة ثانياً فالله عز وجل يقول في محكم كتابه : "(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا)، فمتى قدم القلب على العقل بتقلباته ونزواته وطيبته وشره كلما زاد الانحراف عن الحق وضللنا القمة وزادت الفجوة اتساعا وتفاقمت الآفة

إضافة إلى ذلك ،عادات مجتمعاتنا اليوم لها دور كبير في هذه اللعبة فتربية الأطفال أصبحت مرهونة بين يدي عاملات أجنبية فهذا يقلل من الاتصال بين الأطفال كجيل والأباء كجيل آخر وهنا تزيد الفجوة فيشبع الطفل بتربية خارجة عن مراقبة الأسرة فتخلق فكرا جديدا لا يمت للأسرة بخيط صلة فيورث المجتمع حصاد ما زرعوا فيتقبل الأمر بغضاضة، فكل فرد من أفراد الأسرة اصبح له نمط حياة مستقل وعلاقات خاصة مخفية ، و قليل من لديه علم بها من الاهل ، وساعات عمل وأوقات راحة بعيدة عن الأسرة، حيث أن المنازل تحولت إلى فنادق ، وأصبح ما يجمعهم هو السقف فقط دون أي روابط أو أهتمامات مشتركة على نقيض السابق عندما كانت الأسرة تعيش واقعا اجتماعيا مليئا بالحميمية والألفة كما انه كان لا بد من حضور جميع أفراد العائلة في المساء حتى المتزوج منهم ويجتمعون مع الأب والأم وأحيانا الأقارب ويبدأون بطرح الافكار وتبادل المعلومات والأخبار اليومية حيث يكون الجميع على معرفة بما يدور مع الأبن أو الأخ أو الأخت وتتميز بمتانة العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة وكذلك كثرة السفر والترحال اليوم وسهولته يوسع الفجوة حيث أنه يعرف الأجيال على الثقافات الأخرى لأنه عاش وسطها فأصبحت جزءا من تجربته وحياته فتخلق فكرا واسعا مفيدا في أغلب الأحيان أن أحسن استغلاله لأنه ينمي الفكر قبل أي شيء آخر والتجربة خير برهان


الحلول:

البحث عن حلول لمثل هذه الآفات ليس بالسهل اليسير ولكن تكريس الجهود ووضعها تحت مجاهر الدراسة والنقد يجلب الحلول ولو بالنزر اليسير فالايمان التام بأن الأجيال يجب ان تتلقى تربية تلائم عصرها يقلل من هذه الفجوة أو على الأقل يقلل من الشعور بها وتهويلها وتعظيمها، وتعميق العلاقة بين الأباء والأطفال وخلق الحوار الهادف بينهم وبناء جسرعلاقة مؤطدة توضح أهداف الطرفين وسد تغرة النقيض أن وجدت، و الادراك بأن لنا عقلا قبل العاطفة يسهل لنا اختيار المناسب عند ركوب بحر التطور وشق عبابه والابحار فيه وحسن استخدام البوصلة لتحديد المسار قبل الانحراف، والأكثر أهمية من ذلك إعادة تغذية مجتمعاتنا ليتخلص من عواطفه المنزاحة للدين والعادات والتقاليد، فمهما كانت التطورات التكنولوجية أو الحياتية فليس لها تأثير على علاقة الأب بأبنه كالطريقة الكلامية والطريقة الايجابية في الرد أو النقاش وحسن الاستماع وتبادل الأراء فلابد من استخدام الديمقراطية لا السلطية الأهلية والأبوية

ويظل الصراع قائما بين الأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وتظل المعادلة الغامضة شفرة تحتاج من يفهمها ويفك لغزها، فالمساحات تتسع بين الأجيال وفرصة الالتقاء الفكري والثقافي واللغوي تقل تدريجيا ويبقى الحل لذلك اتباع الطرق السلمية في النقاش والحوار والاتصال بين جيلي الأبناء والآباء واستخدام العقل عند مواكبة التطور وعمل موازنة بين القديم والجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق