المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا
المحور الرابع : تأثير التكنلوجيا و وسائل الإعلام الحديثة على الفكر
صاحب المقال الفائز بالمركز العاشر في المحور : حسين بن علي الغافري
المقال :
الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي وشبابنا .. تحديات وطموحات
§ مُقدمة
كان الشباب - ولا زال- على مختلف الأزمنة والأجيال، عماداً لأي مجتمع وبنيانه التليد .. لطالما كانوا هُمّ حماةً لأرضه وحاضره المجيد .. هم القوة الحصينة والطاقة الدفينة.. هم الذهب والألماس، والبترول والإقتصاد، والإستثمار والتنمية والنماء .. هم جميع مفردات العطاء وكلمات الجد التي ينشدها كُل مجتمع .. بعزمهم وإرادتهم وجدّهم وإجتهادهم وهمّتهم تنهض الأوطان، يقول الشاعر إيليا أبو ماضي في قصيدته الشباب أبو المعجزات:
إذا أنا أكبرت شأن الشباب
فإنّ الشباب أبو المعجزات
حصون البلاد وأسوارها
إذا نام حرّاسها والحماة
غد لهم وغد فيهم
فيا أمس فاخر بما هو آت
ويا حبّذا الأمهات اللواتي
يلدن النوابغ والنابغات
لا يختلف كُل ذي لبّ على أن الوطن ونهضته تكّمن معايير عُلوه وتحضره، بطاقات شبابه وفِكرهم وأفكارهم، إلا إن المُتتبع للُنقاط الدافعة في بناء قوة حقيقية لشباب هذا الجيل لا يمكنه بأن يجحد بأن النقصان والقصور داخل في بعضٍ من هذه القوة، فلا كمال إلا لله وحده دون سواه. فتبرز اليوم كالطفرة المعلوماتية والتسارع الرقمي في العالم المعاصر نُقاطاً للضّعف والهوان - إن ما أستخدمت بسلبية - والتي تغزو الشباب بشكل فكري عميق. فهي يمكن أن تتجسد من خلال الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي والتقنية الحديثة المتمثلة في الهواتف الذكية والتي تُظّهر هذا العالم الواسع الكبير والمتعدد الثقافات على أنه قرية صغيرة يسهل تواصل أفرادها فيما بينهم. فيمكننا القول بأن كثير من شباب هذا الجيل إبتعد عن الجد والإجتهاد الذي سلك دربه السلف السابق، إبتعدوا عن السعي من أجل العِلم والعلوم، فقد كان الأجداد يقطعون آلاف الأميال ويسهرون الليال في الترّحال من أجل التثبت من معلومة واحدة تُنوّرهم وتهديهم طريق الحق سبيلا. كانت المعلومة معهم تكلفتها شاقة وجهدها عظيم ينبغي أن نستشعر أمرها في كل حين. فقد لا تتجاوز غالبية عُظمى من شبابنا في تواجدهم من خلال هذا العالم الرقمي أكبر من التراسل الفوري والمشاركات الغير مفيدة والتي هي بحق قاتلة للثقافة المتجددة للعقل البشري. فنرى بأن الفرد الشاب إبتعد عن إستغلال الوقت بما يعيد عليه النفع والفائدة بشكل ممكن وصفه بأنه أظهر العالم الرقمي والتقنية كأنها وسيلة تسلية، وقضاء وقت للفراغ لا أكثر في حين إنه كان يجب أن تندرج كوسيلة بحثية مساعدة في مجالات التعلم على سبيل المثال. أيضاً لا يمكن الخلاف على أن الدخول في العالم التقني إستقطب ثقافات غربية دخيلة على عادات وتقاليد مجتمعنا المُحافظ. فأخذنا كثيرٌ من الغث وتركنا كثيراً من السمين، وتركنا ما ينفع وأخذنا ما هو ضار و"مُحارب" - إن صح التعبير -، حتى من هذه البلدان نفسها والتي تُعاني من ويلاتها وسواءاتها الغير سوية كمثال تقليد الشباب اللبس الغربي وقصات الشعر الغريبة والمفاهيم الدخيلة وكثير من السلوكيات الغير حميدة.
.. في الجانب المقابل لا يمكننا إجحاف الأخلاقيات الراقية في إستخدامات فئة كبيرة لا بأس بها من شبابنا لهذه التقنية. حيث إنها دلّت على ثقافتهم الكبيرة وعلى تحضّرهم وحرصهم على الإهتمام بنمو وطنهم وعلوّ مكانته. ولعلها من الحسنات المشهودة في إستخدامهم لتقنية اليوم لما يتمتعون به من قدرات على نقل الفِكر واقعاً ملموساً في حياتهم وسلوكياتهم ويومياتهم. إضافة إلى مواكبة النمو التقني في تطوير جوانبم الفكرية، والثقافية، والعلمية، والإقتصادية للبلاد والإنشغال في فهم متطلبات الحياة.
وحتى لا نطيل المقدمة، يمكننا القول بأن وسائل الإعلام والمعلومات، كالتلفزيون وشبكات الإنترنت والكمبيوتر والصحافة والراديو والكتاب والمجلة غدت هي القوة المهيمنة على التفكير والفاعلة في تكوين نمط السلوك. وفي مقالي هذا سأقوم بتسليط الضوء على الإعلام ككل وبقسمين: الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وإعلام مواقع التواصل الإجتماعي. وأبرز السلبيات والإيجابيات فيها، وماذا نريد من إعلامنا اليوم بشكل رئيسي لصناعة جيل شبابي بفكر يُعمّر ويبني.
§ الشباب والإعلام
لا يخفى على كُل ذي لب، على أن الإعلام سلاح ذو حدّين؛ أحسن من عرف توجيهه بما يفيد، وخسر من جهل فهم منافعه. ونحن على يقين بإن إعلام اليوم مُساهم وبدرجة عالية في إكساب الشعوب البشرية منذ الأزل القديم بما يُتّصف بمفهوم "التجمعات" وسلوكياتها، حيث ساهم تطور الإعلام على مر هذه العصور في إيصال المواطن بالمجالات المختلفة التي تُثير إهتمامه وفضوله وتفكيره. كذلك يمكننا القول بإن الإعلام في يومنا هذا وصل إلى درجة المساهمة في حل مُشكلات المجتمع والتوعية بها، وإقتراح الحلول لمعالجتها. ولا ننكر بإن للإعلام دور ملموس في رفع مستوى ثقافة الفرد، وتطوير فكره وأفكاره بشكل عام. كما إن الإعلام ساهم في تنوير الرأي العام لقضايا تشغل حيز سواءا داخلياً أو خارجياً .. والعكس صحيح في جُلّ ما ذكر!. يبقى القول بإن الإعلام يُمثّل مرآة المجتمع. وإذا ما قدم ما يرقى ويفيد وينهض بالمجتمع فأهلاً وسهلاً به.

أصبح من المُتعارف بأن أهداف وغايات كالسعي في فرض كلمة أو تكوين رأي عام من أجل مقصد ذاتي أو مصلحة وغاية شخصية، أو الدعاية لمذهب سياسي أو ديني أو فكري معين أو حقائق مجردة، أخرج إعلاماً فاسد ومفسد للعقول وذا دور يعتمد على التلفيق وقلب الحقائق والتزوير .. مما غدى به مثيراً للشك والريبة. ولا شك في إن هذا الإعلام أشد فتكاً بأفكار الشباب، وأكثر خطراً عليها حتى من ويلات الحروب والمجازر الدموية .. حيث إنه يهدف إلى تضليل الفِكر وتدمير القيم العليا بشتى أصنافها ويقضي على الترابط الإجتماعي والبنيان المرصوص المتعارف عليه في إسلامنا الحنيف .. وقد يتحرر هذا الإعلام المُضلل حتى من أبسط مفاهيم القيم الأخلاقية والتعاليم الدينية المُسلّم في أمرها في إندفاعه من أجل ما ينشده من أهداف .. وما أكثرها وبكل أسف في يومنا هذا!.

وربما لا يسعني هُنا لإبراز جل ما ننشده من إعلامنا بكافة أنواعه، ولكني أعرض وعلى شكل نُقاط لبعض الأساسيات الهامة والمتمثلة في:
1- نريد من إعلامنا أن يكون أداة في نشر الوعي السياسي والثقافي بين أفراد المجتمع عامة والشباب خاصة، حتى يكونوا على دراية بأزمات ومشاكل المجتمع.
2- أن يكون فاعل في غرس القيم الإسلامية والتي حث عليها الدين الحنيف، وأن يكون فاعل في خلق مساحة للشباب في الإستماع إليهم وتعزيز الحوار وتبادل الرأي.
3- أن يحارب الجهل بين الشباب. ويساهم في إعتزاز الشاب بمبادئه وتعاليم دينه الإسلامي، لأن الجهل قاد بعضاً من شبابنا وبكل أسف لأن يحذو حذو غيره وأدّخل أفكاراً لا تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا.
4- أن يطرح المشكلات الإجتماعية التي يعاني منها الشباب ويساهم في حلها أو إيجاد الحلول لها على أقل تقدير.
5- أن يشجع المواهب والمبدعين لدى الشباب ويكون عامل من عوامل التحفيز في الإسهام على ملىء أوقات الشباب بشكل سليم وصحي.
6- أن يكون مهتماً بدرجة أولى في قضايا التعليم التي تخص الشباب، لأن بالتعليم تتفتح العقول وتقل الأفكار الغربية المستوردة من الخارج، وبالتالي يكونوا على دراية بما هو ينفع وما هو ضار.
§ الشباب ومواقع التواصل الإجتماعي
تطغى وسائل التواصل الإجتماعي اليوم بين جميع شرائح المجتمع عالمياً ومحلياً، ولعل تسميتها "بالتواصل الإجتماعي" لما تضمه من تواصل يحوي مختلف الطبقات الإجتماعية والسنية صغاراً وكباراً، تختلف جنسياتهم قبل أجناسهم. ولرُبما تُعدّ المواقع الأبرز وألأكثر شهرة في وقتنا الراهن أمثال، (الفيس بوك)، وموقع التواصل الإجتماعي الشهير (تويتر)، و (الواتس اب) البرنامج التقني في الهواتف الذكية الذي يعني بتبادل الرسائل والمحادثات ومقاطع الفيديو والصوت وغيرها من البرامج الكثيرة التي تعني بتواصل جميع شرائح المجتمع وأبرزهم الشباب بطبيعة الحال .. إن تطرقنا وتحدثنا عن كثرة هذه البرامج فسوف يطول بنا الوقت كثيراً نظراً لكثرتها في وقتنا الراهن .. ويمكن القول بأن هذه التطبيقات والتقنيات تختلف في الأشكال وتتنوع في المُسميات وحتى في طريقة عملها، ونرى دائرة هذه البرامج تتوسع بشكل يومي غير مُنقطع وتجد إقبال غير مسبوقمن مختلف شرائح المُجتمع؛ إلا إن طريقة عملها تبقى بذات الفكرة ولو إختلفت قليلاً، الإ إن الإختلاف كذلك يبدو قائماً بين ما تحويه من إيجابيات وما تخفيه من سلبيات من خلالنا نحن الشباب المُستخدمين لهذه التطبيقات بين نوعين من الإستخدام؛ (الصالح) و(الطالح)!.

تختلف إستخدامات مواقع التواصل الإجتماعي اليوم، وتتعدد الإيجابيات حالها كحال تعدد السلبيات بدون شك، فقد كانت الشرارة الأولى لإطلاق هذه المواقع سابقاً لا يعدو كونه يهدف إلى التواصل الشخصي البسيط بين الأصدقاء بعضهم ببعض وتبادل المعلومات والصور والرسائل وتقريب تواصل البعيد ومُشاركته ما يطرحه وما يضيفه مع باقي المشتركين كما ذكرت، إلا إن الأمر تطور إيجابيا من حيث التواصل التعليمي وكسب المعلومات وتبادل الخبرات والمهارات ومناقشة المواضيع بشكل إجتماعي، أيضاً أصبحت كثير من وحدات ودوائر ومؤسسات الدولة "محلياً" تتواصل مع المواطنين على إعتبارها وسيلة إعلامية إخبارية سلسة ومباشرة بين الدائرة أو المؤسسة الحكومية والمواطنيين وهذا بالفعل أمر إيجابي جميل على إعتبار إيصال المعلومة والخبر بشكل سريع مُبسط أو تأكيد خبر أو تكذيب إشاعة تم تداولها وشاعت بين الناس.
.. وعلى الضفة الأُخرى، فكما إن لهذه المواقع إيجابيات فإن السلبيات حاضرة وبقوة ولا تخفى على الجميع كذلك، فكثير من أصحاب العقول الخاوية، يستخدمها لبث الأفكار الهدامة بين أفراد المُجتمع وبث الدعوات والتحزبات الخاطئة بين فئة الشباب الذين لطالما هم "ركن الأمة" وأساس قيامها وعلى أكتافهم تُبنى المُجتمعات وتنهض وترقى. أفكار قد تكون بظاهرها الإصلاح إلا إن الباطن المُبطن لهذه الافكار يحوي الخبث والفساد الكبير وما هي في الإصلاح بشيء بل هي الهدم والتدمير والسوء، وقد يكون من بين من يعمل على نشر هذه الأفكار المضللة مجموعة من الجهلاء هدفهم شـــراً بالمُجتمع وشبابه فكرياً بعدما إغتاضوا على تلاحمهم وحسن صفاتهم العالية والسمحة، وشيمهم و دماثة أخلاقهم التي عرفت عنهم من سابق العصور والأزمان.
.. فئة الشباب ولطالما هم مقصد مقالي هذا، والذين هم الشريحة الأكبر المستخدمة لمواقع التواصل الإجتماعي يجب عليهم إستخدام هذه البرامج بشكل جاد وذو فائدة لهم على كافة المجالات وفق أطر شخصية الإنسان الواعي وذاته وهويته مما يؤدي إلى اكساب تلك المواقع أهميتها السليمة على إعتبار إنها وسيلة إعلامية في متناول الجميع، والعكس صحيح، إذا ما أساء أحدهم استخدامها ووضع الكلمات والعبارات والنقاشات والصور وتناقل المعلومات بطريقة غير محببة وساهم في تمرير المعلومات الخاطئة والتي تسيء للاخرين بل والأكثر من ذلك عندما تتعدى على حرياتهم وخصوصياتهم وذواتهم، وهذا ما لا نقبله إطلاقاً!.
§ كلمة ختام
إن فخر أي أمة هو فخرها بالشباب في المقام الأول، هذه الدعائم المتينة التي من شأنها أن تنهض وتبني صروح الأمجاد حاضراً ومستقبلاً، كي تبقى صامدة أمام رياح الزمان وتقلباته. وحتى يبقى عزّ الأمة حبراَ محفوراً ومخلداً في التاريخ، نتذكر الأمم الأخرى بما وصلت إليه من رفعة ونهضة بفضل قلبها النابض الذي هو أولاً وأخيراً "الشباب" .. لذا من الواجب أن يُعّتنى بهذا القلب العناية القصوى. ولنؤمن بأن الحلول السليمة لمحن ومشاكل وأزمات الشباب هو سر النجاح في إدارة المجتمع في تخطي أزماته وتجسيد وتحقيق آماله. وينبغي أن نعمل في إستخدام هذه التقنية ووسائل الإعلام بما من شأنه أن يعلو بفِكرهم وأفكارهم .. وكذلك هم عليهم بأنفسهم أن يكونوا على وعي ودراية بأنهم أساس الأمة وعمودها الرئيسي وعلى أكتافهم تنهض البلاد، ولذلك لزاماً عليهم أن يكونوا معاول بناء وأن يستخدموا التقنية بما من شأنه أن يرقى بهم وبمجتمعاتهم وأوطانهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق