المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا
المحور الرابع : تأثير التكنلوجيا و وسائل الإعلام الحديثة على الفكر
صاحب المقال الفائز بالمركز السابع في المحور : محمود بن محمد بن سليمان البهلاني_ سلطنة عمان
المقال :
التِّكْنُولُوجِيا وَوَسَائِلُ الإعْلامِ الحَديثَةُ وَتَأثِيرُها على الفِكْرِ
مُقَدِمَةُ:
الحَمدُ للهِ الذِي سَخَّرَ للإنْسَانِ مَا يسْتطيعُ بِهِ تًكْوينَ نَفْسِهِ وَالارْتِقَاءَ بِفِكْرِهِ، وَفَطَرَهُ عَلى القُدْرَةِ على تَطْوِيرِ فِكْرِهِ وَالارْتِقَاءَ بِذاتِه، وَالصَّلاةُ وَالسًّلامُ على مَنْ جَاءَ مُصَحِّحَا لِلأفْكَارِ وَالعُقُولِ، وَمُحَرِرَ العَقْلِ مِنْ ضِيْقِ النَظْرَةِ إلى وَاسِعِ الفِكْرَةِ، وعلى آلهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وبعد: فإنَّ الفِكَرَ الذي يَقُودُ الإنْسَانَ إلى فَهْمِ الحَيَاةِ وَمَجَارِيها، وَمَعْرِفَةِ خَيْرِها وَشَرِها، لِمَا جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ تَمْيِّيزٍ بَيْنَ الحَقِ وَالبَاطِل؛ يَنْشَأُ مُنْذُ تِلُكَ اللَحْظَةِ التِي يَرَى فِيْها ذَلِكَ الإِنْسَانُ وَهْجَ الحَيَاةِ. مُنْذُ نُعُومَةِ الأَضَافِرِ يَبْدَأُ العَقْلُ بِتَكْوِينِ الأَفْكَارِ وَغَرْسِ القِيَّمِ وَالأَخْلاقِ بِمَا يَجِدُهُ فِي بِيئَتِهِ. إنَّ هَذَا العَامِلَ مِنْ أَهَمِّ العَوَامِلِ التِي يَبْنِي الإِنْسَانُ فِكْرَهُ. وَإذِا نَظَرْنَا نَجِدُ أَنَّ الفِكْرَ يَتَأَثَرُ بِمُؤَثِرَاتٍ كَثِيرَةٍ وَعَوَامِلَ لا تُعَدُّ وَلا تُحْصَى، وَلَكِنَّ الإِنْسَانَ صَاحِبَ الفِكْرِ السَّلِيمِ وَالقَرَارِ الصَائِبِ دَائِمًا يَسْتَطِيعُ الاسْتِفَادَةَ مِنْ التَّطَوُرِ وَالتَّقَدُمِ مِنْ أَجْلِ عَقَيدَتِهِ وَفِكْرِهِ، وَيَكُونُ دَائِمًا قَادِرًا عَلى التَّكَيُّفِ مَعَ التَّغْيِّيرِ فِي مُخْتَلِفِ الأَزْمَانِ؛ لِذًا نَجِدُهُ إِنْسَانًا طَمُوحًا، قَادِرًا عَلى تَحْقِيقِ أَهْدَافِهِ. إِنَّ تَأْثِيرَ التِّكْنُولُوجِيا وَوَسَائِلِ الإِعِلامِ الحَدِيثَةِ عَلى الفِكْرِ وَاضِحٌ؛ وَذَلِكَ لِمَا فِي التَّطَوِرِ وَالتَّجْدِيدِ المُّتَسَارِعِ الذِي يَجْتَاحُ العَالَمَ مِنْ التِكْنُولُوجِيا وَوَسَائِلِ الاتِصَالِ الحَدِيثَةِ. وَكَانَ جَدِيرًا بِنَا مُنَاقَشَةُ تَأْثِيرِهَا عَلى الفِكْرِ إِيجَابِيًا وَسِلْبِيًا فِي هَذَا المَقَالِ الذَي نَسْأَلُ اللهَ فيه التَوفِيقَ وَالتَسْدِيدَ.
تَأْثِيرُ التِكْنُولُوجِيا وَوَسَائِل الإِعْلامِ الحَدِيثَةِ عَلى الفِكْرِ:
إِنَّ العَالَمَ فِي هَذِهِ الفَّتْرَةِ يَشْهَدُ طَفْرَةً مِنَ التَّقَدُمِ وَالتَّطَورِ فِي التِّكْنُولُوجِيا؛ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي عَلى الإِنْسَانِ التَّكَيُّفَ وَالتَّعَايُشَ مَعْ هَذا التَسَارُعِ فِي التِكْنُولُوجِيا وَوَسَائِلِ الإِعْلامِ الحَدِيثًةِ، وَذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ الأَخْذِ بِالْمُفِيدِ وَالْجَدِيدِ لِتَطْوِيرِ فِكْرِهِ وَالثَّبَاتِ عَلى فِكْرِهِ الْمُعْتًدِلِ لِمَا يَرَاهُ مِنْ أَفْكَارٍ ضَالَةٍ وَمُنْحَرِفَةٍ لا يَقْبَلُهَا الْعَقْلُ وَالْفِكْرُ السَّلِيمَانِ؛ لِذَلِكَ سَنَتَطَرَقُ إلى الْتَأْثِيرِ الإِيجَابِيّ وَالسِّلْبِي لِلتِّكْنُولُوجِيا وَوَسَائِلِ الاتِصَالِ الْحَدِيثَةِ عَلى الْفِكْرِ.
التَّأْثِير الإِيجَابِيّ:
إِنَّ الْمَعْلُومَةَ فِي هَذَا الزَّمَنِ مَا تَكَادُ يُنْطًقُ بِها إِلا وَكُلُّ الْعَالَمِ عَلى عِلْمٍ بِهَا! وَمَا مِنْ اكْتِشَافٍ يَخْرُجُ لِيَرَى نُورَ الإِنْجَازِ إِلا وَالْكُلُّ يُرِيد مَعْرِفَتَهُ! وَلِذَلِكَ يُطْلَقُ عَلى عَالَمِ الْيَومِ بِالْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ، وَنَسْتَطِيعُ أَنْ نُطْلِقَ عَلَيهِ بِالْغُرْفًةِ الْوَاحِدَةِ. وَإِذَا كَانَ هَذا حَالُ الْمَعْلُومَاتِ وَالاكْتِشَافَاتِ، فَكَيفَ بِحَالِ الْفِكْرِ الْذِي يُمَثِلُ الإِنْسَانَ؟! بِدُونِ أَدْنَى شَكّ فَإِنَّ الأَفْكَارَ وَالْمُعْتَقَدَاتِ كَذَلِكَ تَنْتَشِرُ بِسْرْعَةٍ كَبِيرَةٍ يَسْتَطِيعُ بها الْمَرءُ أَنْ يُطَوّرَ فِكْرَهُ مِنْ أًجْلِ التَّعَايُشِ مَعَ الْحَيَاةِ؛ لِكَي يَسْتَطِيعَ التًّوَاصُلَ مَعَ الآخَرِينَ، فِإنَّ هَذَا الزَّمَنَ لَيسَ كَالأَزْمَانِ السَّابِقَةِ التِي كان فِيهَا الْمَرْءُ عَلى بُعْدٍ عَنْ الأًفْكَارِ بِمُخْتًلًفِ الْحَضَارَاتِ، وَلَكِنْ يَكُونُ دَائِمًا عَلى تَوَاصُلٍ مَعَ أُنَاسٍ بِمُخْتَلَفِ الْعَقَائِدِ؛ لِذَلِكَ عَلى الْفَرْدِ أَنْ تَكُونَ لَدِيهِ مُرُونَةٌ فِي التَّفْكِيرِ لِيُطَوِّرَ فِكْرَهُ إِلى الْحَدِيثِ وَالْجَدِيدِ وَذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ:
أ) سُرْعَة الْحُصُول عَلى الْمَعْلُومَة:
كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَإِنَّ وَسَائِلَ الاتِّصَالِ سَهَّلَتْ كَثِيرًا عَلى الْفَرْدِ الْحُصُولِ عَلى الْمَعْلُومَاتِ الْتِي يُرِيدُ مَعْرِفَتَهَا فِي لَحَظَاتٍ بَسِيطَةٍ. إِنَّ الْفًرْدَ الْمُطَلِعَ الْقَارِئَ يَسْتَطِيعُ تَطْوِيرَ فِكْرِهُ لِمَا يَجِدُهُ فِي التٍّكْنُولُوجِيا مِنْ مَعْلُومَاتٍ وَقِيَمٍ جَدِيدَةٍ عَليهِ، ويَسْتَطِيعُ تَمْحِيصَهَا وَالاسْتِفَادَةَ مِنْهَا بِعَكْسِ ذَلِكَ الشًّخْصِ الْجَامِدِ الْذِي يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هَذِه الْمَعْلُومَاتُ خَطَرًا عَلَيهِ.
ب) كَثْرَة الْمَعْلُومَات:
إِنَّ التِّكْنُولُوجِيا أَتَاحَتْ الْكَثِيرَ مِنْ الأَشْيَاءِ التِي لَمْ تَكُنْ مُتَاحَةً قَبْلَ هَذِهِ الطَّفْرَةِ وَمِنْ هَذِهِ الأَشْيَاءِ الْمُهِمَةِ: الْمَعْلُومَاتُ التِي يُكَوّنُ الْفَرْدُ فِكْرَهُ وَعَقْلَهُ وَيَسْتَزِيدُ لِعِلْمِهِ وَخِبْرَتِهِ. إِنَّ الإِنْسَانَ النَّاضِجَ الْعَارِفَ يَشْكُرُ اللهَ تَعَالى عَلَى مَا سَخَّرَ لَهُ مِنْ وَسَائِلِ الإِعْلامِ الْحَدِيثَةِ وَالتِّكْنُولُوجِيا؛ لَأَنَّهُ بِذَلِكَ يَسْتَطِيعُ الْوُصُولَ وَمَعْرِفَةَ الْمَعْلُومَاتِ التِي يُمْكِنُ أَنْ يَوسّع بها فِكْرَهِ وَمَنْطِقَهِ بِدُونِ أَنْ يَتَخَلَّى عَنْ قِيَمِهِ وَأَفْكَارِهِ التِي نَشَأَ عَلَيها، التِي هِي أَسَاسُ حَيَاتِهِ. وَلَكِنْ هَذَا الفِكْرَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ سَلِسًا وَمَرِنًا مَعَ هَذِهِ الأَفْكًارِ التِي يَتَلَقَها عَنْ طَرِيقِ وَسَائِلِ الاتِّصَالِ يَجِبُ عَلَيهِ أَنْ يُطَوّرَها لِصَالِحِهِ، لا أَنْ يُبْعِدَهَا عَنْ عَقْلِهِ وَقَلْبِهِ وَفِكْرِهِ. إِنَّ الإِنْسَانَ ذا الْفِكْرِ السَّلِيمِ يُشَجِعُ النَّاسَ عَلى التَّعَرُفِ عَلى الْمَعْلُومَاتِ الْجَدِيدَةِ التِي تَأْتِينَا كُلَّ يَومٍ، وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِه يَحْذَرُ مِنْ بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ السُّمُومَ الْفِكْرِيَّةَ تَنْتَشِرُ وَتُنْشَرُ بِسُرْعَةِ الْبَرْقِ. فَكَانَ حَرِيًّا بِنَا اسْتِغْلالُ كَثْرَةَ المَعْلُومَاتِ لِجَعْلِ أَفْكَارِنَا مُسْتَنِيرَةً.
التَّأْثِير السِّلْبِيّ:
كَمَا أَنَّ لِلتِّكْنُولُوجِيا وَوَسَائِلِ الاتِّصَالِ آثَارًا إِيجَابِيةً عَلى فِكْرِ الْفَرِدِ وَتَطوّرِهِ؛ فَإِنَّ التِّكْنُولُوجِيا وَوَسَائِلَ الإِعْلامِ الْحَدِيثَةِ لَهَا آثَارٌ سِلْبِيَةٌ عَلَى فِكْرِ الْمَرْءِ وَتَفْكِيرِه، بَلْ يَصِلُ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ إِلى تَغْيِيرِ فِكْرِ عَائِلَةٍ وَمُجْتَمَعٍ بأكلمه لِمَا تَحْوِيهِ هَذِهِ الْوَسَائِلِ مِنْ سُمُومٍ يَبُثُهَا الْمُنْتِجُونَ بِقَصْدٍ أًو دُونَ قَصْدٍ. إِنَّ لِلْعًائِلَةِ دَورًا مهمًّا فِي تَكْوِينِ فِكْرِ الطِّفْلِ فِي بَادِئِ الأَمْرِ - كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا-؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ يَكُونُ فِي مَرْحَلَةِ الاكْتِسَابِ فِي ذَلِكَ الْعُمْرِ بحيث لَا يَسْتَطِيعُ أًنْ يُمَحِّصَ وَيَسْتَفِيدَ؛ لِذَلِكَ فَإِنَّ لِلآبَاءِ دَورًا مهمًّا فِي تَنمية فِكْرِ الطِّفّلِ عَلى أَهَمِّ الْمَبَادِئِ؛ لِيَكُونَ مُسْتَعِدًّا لِهَذِهِ الأَفْكَارِ التِي تَأْتِي مِنْ التِّكْنُولُوجِيا وَوَسَائِلِ الإِعْلامِ الْحَدِيثَةِ خَاصَةً. إِنَّ طَبِيعَةَ الْطِفْلِ فِي هَذا الزَّمَنِ مُتَابَعَةُ الْبَرَامِجِ التِي تَظهَرُ فِي التِّلْفَازِ وَاسْتعمال الأَجْهِزَةِ الإِلِكتْرُونِيةِ (الْحَاسِبِ الآلِيِّ، وَالأَلَعَابِ الإِلِكْترُونِيةِ)، وَلِهَذَا سَأَتَطَرَقُ إِلى بِعْضِ الوَسَائِلِ التِي تَحْمِلُ أًفْكَارًا سامّةً مِنْهَا:
أ) الْبَرَامِج التِلِفْزيُونِيّة:
إِنَّ التِّلْفَازَ بِحَدِّ ذَاتِهِ طَاقَةٌ مُوَجِّهَةٌ لِلْفِكْرِ، وَقُوَةٌ قَائِدَةٌ لِصُنْعِ إِنْسَانٍ ذي فِكْرٍ قَدْ يَكُونُ مُخْتَلِفًا بًعْضَ الأَحْيَانِ عَنْ الْمُجْتَمَعِ الّذِي يَعِيشُ فِيهِ الْفَرْدُ. قَدْ يُلاحِظُ الْوَالِدَانِ أَفْكَارًا يَحْمِلُهَا أَطْفَالَهُم، وَيَتَعَجَبُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَعْرِفُونَ السَّبَبَ أَو يَتَجَاهَلُونَهُ فِي أَوْلِ الأَمْرِ، مَعَ أَنَّ الوَالِدَينِ بِأَنْفُسِهِم يَفْتَحُونَ لِأَبْنَائِهم هَذِهِ الُقَنَوَاتِ التِي تَكُونُ خَطَرًا عَلَى الفِكْرِ وَخَاصَةً عَلَى فِكْرِ الأَطْفَالِ -كَمَا أَسْلَفْنَا- وَلَكِنْ فِي الوَقْتِ نَفْسِه لَيسَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا تَأْثُرَ فِكْرِ الأَطْفًالِ فَقَطُّ عَبْرَ الْبَرَامِجِ التِّلِفْزيُونِيةِ... لَا! وَإِنَّمَا رَكَزَّنَا عَلَى الأَطْفَالِ؛ لأَنَّ أَفْكَارَهُم لًا تَزَالُ فِي مَرْحَلَةِ التَّكْوِينِ، وَأَسَاسُهُم الْفِكْرِي لَيسَ مُشَيَّدًا. وَلَكِنْ فِي الوَقْتِ نَفْسِه، فَإِنَّ هَذِهِ الْبَرَامِجَ قَدْ تُأَثِرُ عَلَى فِكْرِ الشَّخْصِ النَّاضِجِ، وعَلَى الأُسُسِ التِي بَنَى عَلَيهَا فِكْرَهُ؛ وَذَلِكَ لِمَا تَحْمِلُ هَذِهِ الْقَنَوَاتِ مِنْ سُمُومٍ يَبُثُهَا الْغَرْبُ لِإضْعَافِ هُوِيةِ الْفَرْدِ الْعَرَبِي خَاصَةً. إِنَّ الْغَرْبَ مَعَ كُلِّ تِلْكَ الاكْتِشَافَاتِ وَالْمَعْلُومَاتِ فَإِنَّهُ يُحَاوِلُ جَاهِدًا إِضْعَافَ فِكْرِ الْفَرْدِ الْعَرَبِيِّ الْمُسْلِمِ عِنْ طَرِيقِ التَّأْثِيرِ عَلَى الْفِكْرِ الّذي أَسَّسَهُ وَبَنَاهُ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَلِهَذَا فِإِنَّ الشَّخْصَ ذا الْفِكْرِ الضَّعِيفِ وَالْفِكْرِ الذِي لَمْ يُأَسَّسْ عَلَى قَاعِدِةٍ قَوِيَّةٍ نَجِدُهُ يَتَأْثَرُ بِسُهُولَةٍ بِمُجَرَدِ مُتَابَعَةِ الْبَرَامِجِ وَالقَنَوَاتِ؛ لِهَذَا فِإِنَّ الْفِكْرَ الصَّحِيحَ الذِي شُيِّدَ بِقُوَةِ الْفِكْرَةِ وَوُضُحِهَا لَا تَسْتَطِيعُ تِلْكَ الأَشْيَاءُ الْمسمومة أَنْ تُؤَثِّرَ عَلَيهِ وَلاَ عَلَى فِكْرِهِ.
ب) الْهَوَاتِف الذَّكِيَّة:
إِنَّ كُلَّ فَرْدٍ فِي هَذَا الزَّمَنِ فِي أَغْلَبِ الأَحْيَانِ نَجِدُهُ حَامِلًا لِهَاتِفٍ ذَكِيٍّ أَوْ عَلَى أَقَلِّ تَقْدِيرٍ هَاتِفٍ نَقَّالٍ. إِنَّ الْهَوَاتِفَ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَى الإِنْسَانِ التِي يَجِبُ أَنْ يَسْتَغِلَهَا عَلَى الطَّرِيقَةِ المُثْلَى. وهَذِهِ الطَّفْرَةَ فِي صِنَاعَةِ الْهَوَاتِفَ لَهَا آثَرُهَا الْبَالِغُ إِذَا لَمْ يُحسن الْفَرْدُ اسْتِعْمَالَها بِالشِّكْلِ الصَّحِيحِ الذي تُتِيحُ لَهُ تَجْدِيدَ فِكْرِهِ وَكَسْبَ المَعْلُومَاتِ. هَذِهِ الْهَوَاتِفُ التِي نَستعملها بِهَا أَشْيَاء لَمْ يَكُنْ الْبَشَرُ يَتَوَقَعُونَهَا؛ لِمَا فِيهَا مِنْ سُرْعَةِ التَّوَاصُلِ بَيْنَ الأَشْخَاصِ وَكَثِرَةِ البَرَامِجِ الْمُخْتَلِفَةِ. مَعَ كُلِّ هَذَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْهَوَاتِفُ الذَّكِيَّةُ خَالِيَةً مِنْ الْعُيُوبِ الْكًثِيرَةِ وَالْخَطِرَةِ عَلَى مُجْتَمَعَاتِنَا لِمَا تَحْمِلُهُ مِنْ أَفْكَارٍ مُخْتَلِفَةٍ لِأَفْكَارِنَا وَعَقَائِدٍ مُخَالِفَةٍ لِعَقَائِدِنَا. إِنَّ الْبَرَامِجَ التِي تُبْهِرُنَا قَدْ تَكُونُ ضارّةً لَنَا ولِأَفْكَارِنَا وَتَقَالِيدِنَا إِذَا لَمْ نُحْسِنْ اسْتِعْمَالَها وَإِذَا لَمْ نُعَلِّمْ أَبَنَاءنَا. فَكَانَ جَدِيرًا بِنَا أَنْ نُدَقِّقَ في كَيفِيَةِ اسْتِعمالهَا وَمُرَاقَبَةِ أَطْفَالِنَا.
لَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ الإِيجَابِيَاتِ وَبَعْضَ السِّلْبِيَاتِ عَلَى سَبِيْلِ الْمِثَالِ لَا الْحَصْرِ، وَقَدْ يَطُولُ بِنَا الْمَقَامُ إِذَا عدَّدَنَا الإِيجَابِيَاتِ وَالسِّلْبِيَاتِ، وَقَدْ لَا نَنْتَهِي مِنْهَا، وَإِنَّمَا هَذِهِ الأَمْثِلَةُ جَاءَتْ لِمَا لَهَا مِنْ أَهْمِيِّةٍ بَالِغَةٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ التَّنْبُهَ لَهَا وَالتَّنْبِيهَ عَلَيهَا.
الْخَاتِمَةُ:
إِنَّ نِعَمَ اللهِ تَعَالَى كَثِيرةٌ عَلَى هَذا الْمَخْلُوقِ الْذِي يَسْتَطِيعُ التَّجْدِيدَ وَالتَّفْكِيرَ بِاسْتِعْمَالِهِ عَقْلَهِ الْذِي وَهَبَهُ اللهُ تَعَالَى لَهُ لَلتَّمْيِّزِ بَيْنَ الْخَطَأِ وَالْصَوَابِ وَبَيْنَ الْخَيرِ وَالشَّرِ. فَفَكْرُ الْمَرْءِ إِنَّمَا هو نَاتِجٌ عَنْ ذَلِكَ النَّشَاطِ الْذِي يَقُومُ بِهِ عَقْلُهُ وَتًخْزِينُه لِتِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ الْهَائِلَةِ التِي يَكْتًسِبُهَا. إِنَّ الْتِكْنُولُوجِيا وَوَسَائِلَ الإِعْلامِ الْحَدِيثَةِ لَهَا دَورٌ بَارِزٌ في تَغِييرِ فِكْرِ الْمَرْءِ بَلْ يَصِلُ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ إِلى تَكْوِينِ فِكْرٍ بِأَكْمَلِهِ؛ فَالتِّكْنُولُوجِيا وَوَسَائِلُ الاتِّصَالُ إٍنَّمَا هِي سِلاحٌ ذُو حَدَّينِ عَلَى فِكْرِ الإِنْسَانِ؛ فإِنْ كَانَ فِكْرُ هَذَا الإِنْسَانُ مَبْنِيًّا عَلَى قَاعِدَةٍ صَلْبَةٍ وَمَرِنَةٍ، وقَادِرًا عَلَى التَّمْحِيصِ وَالتَّلْخِيصِ لِتِلْكَ الأَفْكَارِ الْحَدِيثَةِ فَإِنَّ هَذِهِ التِّكْنُولُوجِيا تَكُونُ مُفِيدَةً جِدًّا لِذَلِكَ الْفَرْدِ. أَمَّا ذَلِكَ الشَّخْصُ المُتَذَبْذِبُ في فِكْرهُ، والذِي لَمْ يَفْهَمْ مُعْتَقَدَهُ وقيم مجتمعه، فَإِنَّ وَسَائِلَ الإِعْلامِ تَكُونُ خَطِرَةً عَلَيهِ لِمَا فِيهَا مِنْ أَمْرَاضٍ يَسْتَطِيعُ أَصْحَابُ الفِكْرِ الْمُخَالِفِ إِدْرَاجِهَا فِي وَسَائِلِهِم التِي يَنْشُرُونَهَا. فَيَجِبُ عَلَينَا أَنْ نُعَلِّمَ الأَطْفَالَ وَنَصوغ فَكْرًا صَلْبًا قَادِرًا عَلَى التَّمْيِّيز فِي ذَلِكَ الطِّفْلِ؛ لِكَي يَكُونَ جَاهِزًا لِمُعْتَرَكِ الْحَيَاةِ التِي سَيَعِيشُهَا وَالأَفْكَارِ التِي سَيُوَاجِهُهَا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق