الأحد، 13 أبريل 2014

المحور الثالث ، المركز السابع مكرر

المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا



المحور الثالث : "الفجوة الفكرية بين الأجيال" مفهوماً و مظاهر و آثار و حلول

صاحب المقال الفائز بالمركز السابع مكرر في المحور : أميرة بنت سالم المزروعية_ سلطنة عمان



المقال :


*ما الذي يسبب المخاض العسير للحوار بين الأجيال في عصرنا المثير*

عقول أشرقت شمسها للتو، وأخرى جاوزت شمسها منتصف السماء. أرحام كل منها أنجبت أفكارا ورؤى مختلفة، متباينة في ميدان هذه الحياة - وهو تباين مرتسم في كل أمور الحياة، وسنة من سننها التي تعطيها رونقها وتدفعها للتقدم والتطور- ولكن التباين في هاتين الفئتين من العقول تحول لتعارض بعدما حجبت سحب ركامية، كثيفة النور الذي كان ينير مشاوير تواصلها، مانعة ما أنجبته أرحامها من رؤية الطريق، والتواصل مع من حولها للبحث عن صديق، ولأن التواصل انعدم؛ فالعلاقة لم تدم؛ لتتحول هذه الأفكار مع مضي الوقت لأفكار متعارضة، متناقضة، لا تتقبل كل منها الأخرى. تناقضها هذا شكل تباعدا وتنافرا بينها، منتجا فجوة آخذة في التوسع والتمدد مع مرور الزمن وتطور الحياة، وهي ما تعرف حاليا باسم الفجوة الفكرية بين الأجيال. فجوة لا يعلم الكثير منا عنها سوى أنها ذلك الجدار الذي يقف صامدا، مانعا تواصلنا مع من يخالف فكرنا من الأجيال الأخرى، رافضا قبولنا لبعضنا البعض. في السرد التالي نكشف الستار عن بعض تفاصيل كواليس هذه الفجوة، مستعرضين مفهومها، مظاهرها، آثارها وباحثين عن ما يمكن التوصل إليه من حلول لردمها.

مفهوم الفجوة الفكرية بين الأجيال:

الفجوة الفكرية بين الأجيال هي تلك المساحة الواسعة التي تفصل الأفكار، الرؤى، التطلعات، الطموحات والنظرات العامة للحياة التي تمتلكها الأجيال المختلفة، دون أي طريق معبد، مضاء يسهل وصولها لبعضها البعض، جاعلا الغالبية العظمى منها تؤثر البقاء في مكانها دون مجازفة في طريق، وعر، مظلم، نوره الذي كان يهديه يوما يستقر الآن بعيدا خلف الغيوم!

مظاهر الفجوة الفكرية بين الأجيال:

لكل شيء مظاهر تبرزه وتؤكده، وإذا ما تحدثنا عن الفجوة الفكرية بين الأجيال، فإننا نجد مظاهرها متجلية بوضوح في عدة أمور، نذكر منها اهمها وهي كالتالي:

· قلة أو انعدام الحوار بين الكبار والصغار: وهو من أهم وأبرز ما يثبت وجود هذه الفجوة، حيث نجد الحوار نادرا ويكاد يكون معدوما في الأسر في هذا الزمان، كلا يعيش في عالمه الخاص منفصلا عن الآخرين رغم احتضان نفس الجدران لهم. الحوار بين الآباء والأبناء مفقود، فنجد الأبناء يتهربون من ذلك نتيجة الفروقات الفكرية الموجودة، فهم يعرفون تمام المعرفة أن هذا الحوار حوار عقيم، ومتى ما بدأ سينتهي سريعا مخلفا خلافا في أغلب الأحيان، كما يعلمون أنهم لن يقنعوا ولن يقتنعوا مهما طال الحديث أو قصر.

· قلة مشاركة الشباب في التجمعات الأسرية والمناسبات الاجتماعية: وهو مظهر آخر من مظاهر الفجوة الفكرية بين الأجيال، ويبتعد جيل الشباب عن المشاركة في هذه التجمعات والمناسبات مثل: الأعراس، الأعياد، زيارات وتجمعات آخر الأسبوع وغيرها، نتيجة احساسه وقناعته بأنه مختلف فكريا وأن هناك حواجز متينة تفصله عن جيل الكبار وتمنع تواصله معهم فيفضل قضاء تلك الأوقات مع الأصدقاء في التنزه والرحلات والتجمعات الشبابية التي تحتوي نفس الميول والأفكار والقناعات.

· ابتعاد الشباب عن عادات وتقاليد أجداده: نتيجة لقلة الحوار أو بالأحرى انعدامه بين الأجيال ونتيجة لقلة مشاركة الشباب في المناسبات الأسرية والاجتماعية، نجد المظهر الثالث من مظاهر الفجوة الفكرية بين الأجيال ألا وهو ابتعاد جيل الشباب عن عادات وتقاليد أجداده ومجتمعه. ففي هذا الحال إما أن يكون الشباب جاهلا بهذه العادات والتقاليد لعدم صلته بمن هم أكبر منه وانصهاره معهم، أو أنه يدركها ولكن لا يتقبلها حالها كحال باقي ما يحتويه فكر جيل الكبار لأن الجيلان لم يتحاورا ولم يتناقشا ليصل كل طرف إلى أعماق الاخر ويفهم جيدا ما يمتلكه من فكر.

آثار الفجوة الفكرية بين الأجيال:

لهذه الفجوة نتائج وآثار تؤثر على الفرد والجماعة، من أهمها:

· التفكك الأسري: نتيجة للمظهر الأول من مظاهر الفجوة الفكرية بين الأجيال التي ذكرت سابقا، نجد أن أول تأثير لها على المجتمعات هو التفكك الأسري؛ فانعدام الحوار بين الآباء والأبناء، وابتعاد كل منهما عن الآخر، لابد وأن ينتج عنه تفكك في الأسر وإضعاف للروابط بين أفرادها. وجميعنا يعلم أن العلاقات إن لم تسقى بماء التواصل تذبل وتموت شيئا فشيئا مع مرور الوقت، وهكذا هو الحال بالنسبة لعلاقة الابن بوالديه وباقي أعضاء عائلته الذين يكبرونه ببضع عقود من الزمن.

· ضعف المجتمع وتخلفه: من المعروف أن الأسرة هي عماد المجتمع واختلال نظامها أو انهياره من الطبيعي جدا أن يؤثر على المجتمع بشكل قوي ومباشر. من جانب آخر نجد أن عناد كل طرف وتمسكه برأيه وفكره تمسكا قويا دون أي مرونة في ذلك ونظرته الدونية للطرف الآخر يؤثر حتما على قوى وروابط المجتمع؛ فلا يروي ظمأ المجتمع إلا مزيج عصارة فكر الجميع كبارا وصغارا، ولا تكتمل لوحة ابداعه إلا بمشاركة أنامل الجميع، فكل يكمل الآخر مهما كان الخلاف.

· ابتعاد الشباب عن هويته وتطبعه بطبائع ثقافات أخرى: أثر آخر من آثار هذه الفجوة على الفرد والمجتمع هو الابتعاد عن الهوية والاتجاه لتقليد الآخرين. فمثلما ذكرنا أن من مظاهر هذه الفجوة هو قلة الحوار مع الكبار، قلة المشاركة في المناسبات وما ينتج عن ذلك من الابتعاد عن العادات والتقاليد، جميع ذلك يتسبب مع مرور الوقت في ابتعاد الشباب عن هويته وانسلاخه منها، وتوجه لاكتساب طبائع الغير وثقافاتهم، وهو أثر خطير يهدد هوية المجتمع وثقافته.

حلول لردم هذه الفجوة:

هي فجوة واسعة وتزداد اتساعا يوما بعد يوم، ولكن ردمها ليس مستحيلا، فبتعاون معاول الجميع وتطبيق النصائح والمقترحات التالية يصبح ردمها وإزالتها ممكنا ويسيرا بإذن الله تعالى:

· تقديم بعض التنازلات: تنازلات من كلا الطرفين من الكبار والصغار يمكن أن تسهم في تقريب الأفكار وتضييق هذه الفجوة شيئا فشيئا ومن ثم ردمها نهائيا بإذن الله. فكلا الطرفين مطالب بالتنازل بعض الأحيان ومسايرة الطرف الآخر وخلق الأعذار والمبررات خلف تمسك كل طرف برأيه. فجيل الصغار على سبيل المثال مطالب بان يعي جيدا اختلاف عصره الذي يعيشه عن العصر الذي عاشته الأجيال السابقة، وبالتالي يتفهم أسباب رفض الكبار لفكره وتصرفاته، كما يجب عليه أن يضع نفسه مكان جيل الكبار ويدرك تماما انه سيكون في مثل موقفهم يوما ما عندما يكون أبا لأبناء سيأتون في زمن تكون الحياة فيه قد وصلت أبعد مما وصلت إليه الان، عندها يجد نفسه عاجزا عن فهمهم مختلفا معهم. في الجانب الآخر، فإن جيل الكبار أيضا مطالب بان يتعايش مع جيل الصغار ويتفهم ان عصره الذي نشأ فيه مختلف تماما عن العصر الحالي وأن هذا الاختلاف في الفكر شيء لابد منه ويجب ان يقابل بالقبول وليس الرفض .

· الحوار: قلة الحوار وانعدامه هو في الأساس سبب في تكون هذه الفجوة وهو أحد أهم مظاهرها، وبالتالي وجود الحوار يمكن أن يكون الحل لردم هذه الفجوة. كلا الجيلين مطالبان بالاقتراب من بعضهما والتحاور ولو لجزء بسيط من الوقت، لتحطيم الحواجز بينهما وإزالتها وبالتالي افساح الطريق لأفكارهما لكي تتعرف على بعضها البعض وتنصهر كل منها في الأخرى. ويمكن للحوار ان ينجح ويخرج للنور بعد ان تقدم التنازلات من كلا الطرفين مثلما ذكرنا في الحل الأول.

· التمسك بالدين الإسلامي الحنيف: فهو الهادي والمرشد والمنظم دائما، وفي اتباع تعاليمه السامية الحل لكل معضلة. تطبيق تعاليم ديننا الحنيف تنظم علاقتنا مع الآخرين وتقويها دون تخطيط منا. وإذا ما تحدثنا عن دور الدين في تقوية علاقة الأبناء بالآباء، نجد الكثير من الآيات في القرآن الكريم توصي بالوالدين وتحث على الإحسان إليها وبرهما، منها على سبيل المثال قوله تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما(23) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي احمهما كما ربياني صغيرا(24)".(سورة الإسراء). إذا هي تعاليم واضحة ومتى ما تمسك بها الشباب وطبقها تطبيقا دقيقا خوفا من عقاب الله وحبا وطلبا لرضاه، نجد علاقاتهم مع والديهم قوية، متينة. نجدهم يحافظون دائما على صلة والديهم والإحسان إليهما وعدم قطعها أبدا مهما كان الخلاف الفكري بينهما كبيرا، ونتيجة لذلك نجد الاباء متقبلين لأفكار هذا الابن البار مبتعدين عن مشادته ومعارضته فيما يتجه إليه لأن بره بهما يجعلهما واثقان به، مشفقان عليه وراغبان دائما في رؤيته سعيدا هانئا.



إّذا مفهومها واضح ومفهوم، مظاهرها ظاهرة ومتجلية، أثارها كبيرة وخطيرة ولكن يبقى ردمها ممكنا. إنها الفجوة الفكرية بين الأجيال في عصرنا الحالي. نتمنى يوما أن السحب التي حجبت النور عن طريق أفكار الأجيال، وتركتها حبيسة عقولهم، تنقشع وتتلاشى لترى تلك الافكار الطريق من جديد وتنطلق للقريب والبعيد، لتردم الفجوة بينها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق