الاثنين، 7 أبريل 2014

المحور الأول ، الفائز بالمركز الثاني مكرر

المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا



المحور الأول : كيف يفكر شباب اليوم و ما هي نقاط ضعفه و قوته.

صاحب المقال الفائز بالمركز الثاني مكرر في المحور : محمود بن محمد بن سليمان البهلاني_ سلطنة عمان




المقال :



كَيفَ يُفَكِرُ شَبَابُ اليَومِ؟ وَ نِقَاطَ ضَعْفِهِ وَقُوَتِهِ


المُقَدِّمَة

الْحَمْدُ لِلِه الْذِي جَعَلَ مَرْحَلَةَ الشَّبَابِ أَهَمَّ مَرَاحِلِ الْحَيَاةِ وَجَعَلَ قَوَامَ الأُمَمِ بِقَوَامِ شَبَابِهَا، الْذِي أَمَرَ الشَّابَ بِإِعْمَالِ عَقْلِهِ وَفِكْرِهِ لِتَحْقِيقِ أَهْدَافِ أُمَّتِهِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ اهْتَمَ بِفِكْرِ الشَّابِ وَاعْتَمَدَ عَلِيهِ لِتَغْيِّرِ الْمُجْتَمَعَاتِ الضَّالَةِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَمَ. إِنَّ النَّاظِرَ إِلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَى يَجِدُ الْكَثِيرَ مِنْ الآيَاتِ الدَّالَةِ عَلَى أَمِرِ اللهِ تَعَالَى بِإِعْمَالِ الْعَقْلِ وَالتَّفْكِيرِ فِي الْحَيَاةِ بِمَا يَنْفَعُهُ فِي الدُّنْيَا وَالأَخِرَةِ لِذَلِكَ نَجِدُ الْكَثِيرَ مِن الآيَاتِ تَنْتَهِي بِقَولِهِ تَعَالَى " ... لِقَومٍ يَعَقِلُونَ" وَ" ...لِقَومٍ يَتَفَكَرُونَ" وَ" ... لَعَلَهُم يَعْقِلُونَ" وَ" ...لِأُولِي الأَلْبَابِ" وَمَا هَذِهِ الآيَاتِ إِلاَّ دَالَّةُ عَلَى أَمْرِ اللهِ تَعَالَى بِإِعْمَالِ الْعَقْلِ وَالتَّفْكِيرِ. وَاعْتَنَى الإِسْلَامُ الشَّرِيفُ بِعَقْلِ الشَّبَابِ أَيَّ مَا عِنَايَةٍ وَجَعَلَ عَقْلَهُ الْمُحَرِكَ الأَسَاسِيَّ لِتَكْوِينِ وَتَثْبِيتِ ذَلِكَ الدِّينَ الْحَنِيفَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ. وَنَجِدُهُ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ لَمْ يُرَكِّزْ عَلَى شَيءٍ كَمَا رَكَّزَ عَلَى عَقِيدَةِ وَفِكْرِ الشَّابِ فَفَي أَحَادِيثٍ كَثِيرَةٍ يَأْمُرُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهِم بِالتَّفْيكِرِ مِنْهَا قَولَهُ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذَ بِنِ جَبَلٍ حِينَ أَرْسَلَهُ إِلَى الْيَمَنِ:" كَيفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَى؟ قَالَ:أَقَضِي بِكِتَابِ اللهِ. قَالَ إِن لِمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ. قَالَ: فِإِن لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِّ وَلَا آلُو. فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ صَدْرَهُ وَقَالَ: "الْحَمْدُ لِلهِ الْذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ لِمَا يُرْضِي رَسَولَ اللهِ"[1] إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُ دَلًالةً وَاضِحَةً عَلَى إِعْمَالِ الفِكْرِ وَاجْتِهَادَ الْعَقْلِ بِتَغَيُّرِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ. إِنَّ فِكْرَ الشَّبَابِ إِنَّمَا يَتَكَوَّنُ بِمَا يَفْرِضُهُ لَهم الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَلَكِنْ هَذَا الْفِكْرُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا وَمُؤَسَّسًا عَلَى ثَوَابِتٍ وَمَبَادِئٍ لَا يُمْكِنُ لِذِلَكَ الشَّابُ أَنْ يَتَخَلَى عَنْهَا وَنَقْصِدُ بَالثَّوَابِتِ وَالْمَبَادِئِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَرَسُولَهُ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ وَمِنْ تَقَالِيدِ بَلَدِهِ التِي تَتَوَافَقُ مَعَ شَرْعِ اللهِ؛ فَهَذِهِ الثَّوَابِتُ يَجِبُ لِلْفَرْدِ أَن تَكُونَ هِي أَسَاسُهُ لِيَعْرِفَ كَيْفَ يَصِيْغُ فِكْرًا قَادِرًا عَلَى بِنَاءِ أُمَّةٍ. إِنَّ لِكُلِّ زَمَانٍ شَبَابٌ وَهَؤُلاءِ الشَّبَابُ يَخْتَلِفُ تَفْكِيرَهُم عَنْ تَفْكِيرِ شَبَابٍ فِي غَيرِ زَمَانِهم لأَنَّ الأَحْدَاثَ تَتَغَيَّرُ وَهَذَا الْعَالَمُ دَائِمًا فِي تَطَوُّرٍ مُسْتَمِّرٍ وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي أَفْكَارًا مُتَطَوِّرَةً وَعُقُولٍ مُسْتَنِيرَةٍ لِكَي يَكُونَ هَذَا الإِنْسَانُ خَيِرَ خَلِيفَةٍ فِي الأَرْضِ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى. إِنَّ شَبَابَ الأُمَّةِ الإِسْلامِيَّةِ يَجِبُ أَن يَحْمِلَ فَكْرًا قَادِرًا عَلَى مُواكَبَةِ عَصْرِ السُّرْعَةِ وَالتَّطَوُّرَ. وَسَيَكُونُ هَذَا الْمَقَالُ عَن كَيْفِيَةِ تَفَكيِرِ شَبَابِ الْيَومِ؟ وَ نِقَاطِ قُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ وَنَسْأَلُ اللهَ التَّسْدِيدَ وَالتَّأْيَّيدَ.



كَيفَ يُفَكِرُ شَبَابُنَا الْيَومَ؟ وَمَا هِيَّ نِقَاطُ ضَعْفِهِ وَقُوَتِهِ؟

إِنَّ فِكْرَ الشَّبَابِ يَجِبُ أَنْ يُعْتَنَى بِهِ وَيُطَوَّرَ لأَنَّ الأُمَمَ لَا تُبْنَى إِلاَّ بِذَلِكَ الْفَكْرِ الْذِي يَأْتِي مِنْ إِنْسَانٍ نَاضِجٍ وَقَوِيٍّ قَادِرٍعَلَى مُوَاجِهَةَ الأَزَمَاتِ وَالمُشْكِلاتِ التِي تُوَاجِهُهُ فِي هَذَا الْعَصْرِ. إِنَّ هَذَا الْعَصْرَ عَصْرُ الاكْتِشَافَاتِ وَالاِخْتِرَاعَاتِ يَحْتَاجُ إِلَى فِكْرٍ يُوَاكِبُ هَذِهِ السُّرْعَةَ الْهَائِلَةَ لِكِي لَا يَكَونَ كَافَّ الْيَدِّ عَنْ هَذَا الْعَالَمِ الْذِي حَولَهُ يَنْظُرُ إِلَى تِلْكَ الاِخْتِرَاعَاتِ بِعَينِ الْعَاجِزِ. إِنَّ بَعْضَ شَبَابِ هَذَا الْعَصْرِ يُفَكِرُ بِالاِنْجَازَاتِ الْتِي يُمْكِنُ أَن يُحَقِقًهَا، لَا يَقِفُ مَكْتُوفَ الْيَدِّ وَمُبْعَدَ الْفِكْرِ عَنْ الْذِي يَحْدُثَ أَمَامَهُ. إِنَّ هَذَا الفِكْرَ يَجِبُ أَن يُعْطَى مَجَالًا رَحْبًا يُصْنَعُ بِذَلِكَ الْفِكْرُ إِنْجَازًا يَخْرُجُ لِلعَالَمِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْفِكْرُ فَإِن فِكْرَ شَبَابِنَا لَا يَزَالُ بِخَيرٍ. إِنَّ بَعْضَ الشَّبَابِ وَلِلأَسَفِ الشَّدِيدُ إِنَّمَا جَعَلُوا أَفْكَارَهُم وَعُقُوَلُهم مَحْدُودَةَ التَّفْكِيرِ وَكَأَنَهُم خُلِقُوا مِنْ أَجْلِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطُّ. إِنَّ هَذِهِ الْعُقُولَ يَجِبُ أَنْ يُزْرَعَ فِيهَا الثِّقَةَ لِكَي تَتَكَاتَفَ الأَفْكَارُ لِيَكُونَ لِشَبَابِ الأُمَّةِ الإِسْلامِيةِ كَلِمَةً مِنْ الاِنْجَازَاتِ التِي تَنْفَعُ الْبَشَرَيَّةَ. إِنَّ فِكْرَ شَبَابِ الإِسْلامِ يَتَعَرَضُ لِشَيءٍ مِنْ الإِهْمَالَ وَالتَّهْمِيشَ فِي هَذَا العَالَمُ وَذَلِكَ بِسَبَبِ تَهْمِيشَ المُسْلِمِينَ عُقُولَ بَعْضِهم الْبَعْضِ وَتَصَارُعِ الْقُوى الْمُسْلِمَةِ عَلِى أِشْيَاءٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا. بِسَبَبِ هَذَا كُلِّهِ نَتَجَ لَنَا فِكْرًا رَاكِدًا تَجِدُهُ فِي الْفِكْرِ الإِسْلامِيّ. وَلَكِن هَذَا لَمْ يَمْنَعْ بَعْضَ الْعُقُولِ مِنْ أَنْ تَصْنَعَ إِنْجَازًا شَخْصِيَّا عَلَى أَقَلِّ تَقَدِيرٍ بَعْدَ مَا أَبْعَدُوا أَنْفُسَهم مِنْ هَذِهِ الصِّرَاعَاتِ. إِنَّ النَّاظِرَ إِلَى تَفْكِيرِ شَبَابِ اليَومِ يَجِدُ هَذَا التَّفْكِيرَ بَينَ الطَّمُوحِ وَالْعَاجِزِوَذَلِكَ بِسَبَبِ:

أ‌) الأَسَاس الفِكْرِي: إِنَّ دَورَ الْعَائِلَةِ مُهِمٌّ فِي تَكْوِينِ هَذَا الْفِكْرِ لأَنَّ الطِّفْلَ فِي مَرَاحِلِ صِغَرِهِ إِنَّمَا هُو مُكْتَسِبٌ لِتِلْكَ الأَفْكَارِ وَالْمُعْتَقَدَاتِ. فِإِذَا بُنِيَّ هَذَا الْفِكْرُ عَلَى أَسَاسٍ قَوِيٍّ وَمَتِينٍ فِإِنَّ هَذَا الشَّابَ النَّاشِيءَ إِنَّمَا يَكُونُ مُمَحِّصًا وَمُدَقِّقًا لِلأَفْكَارِ الغَرِيبَةِ وَيَكُونَ هَذَا الشَّخْصُ طَمُوحًا، مُحَقِّقًا لِأَهْدَافِهِ، سَاعِيًّا إِلَى الرُّقِيِّ بِفِكْرِهِ، لَا يَنْظُرُ إِلَى سَفَاسِفِ الأُمُورِ، لَا تَكُونُ نَظْرَتَهُ مَحْدُودَةً. إِنَّ الأَسَاسَ الْفِكْرِيَّ إِنَّمَا هِي نُقْطَةَ قُوَةٍ وَضَعْفٍ يَعْتَمِدُ عَلَى هَذِهِ النِّقْطَةِ فِكْرُ الإِنْسَانِ طُوَالَ حَياتِهِ. فَمَنْ أَسَّسَ الفِكْرَ عَلَى قَاعِدَةٍ قَوِيَّةٍ فَمِن الصُّعُوبَةِ بِمَ كَان التَّأْثِيرُ عَلَيهِ وَعَلَى فِكْرِهِ وَمَنْ أَسَّسَ الفِكْرَ عَلَى قَاعِدَةٍ ضَعِيفَةٍ فَمِن السَّهْلِ اخْتِرَاقُ فِكْرِهِ وَالتَّأْثَيرِ عَلَيهِ.



ب‌) الْقُدْوَة: إِنَّ فِكْرَ الْفَرِدِ إِنَّمَا يَنْشَأُ مِن الْعَائِلَةِ فِي بَادِئِ الأَمْرِ وَلَكِنْ هَذَا الْفَرْدُ يُرِيدُ أَنْ يُطَوِّرَ فِكْرَهُ فَيِنْظَرَ إِلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيهِ وَهُو مَا يُسَمَّى بِالقُدْوةِ فِيَنْظُرَ إِلَيهِ كِيفَ يُفْكِرُ؟! كِيفَ يَصْنَعُ؟ بِمَ يَهْتَمُّ؟. فَالْقُدْوةُ لَهَا دَورٌ بَارِزٌ فِي تَطْوِيرِ الْفِكْرِ الذِي نَشَأَ حَدِيثَا. إِنَّ اِتْخَاذَ شَبَابِنَا الْيَومَ لِلقُدْوَةِ الْحَسَنَةِ صَاحِبَةَ الطُّمُوحِ وَالْفِكْرِ الْذِي يَنْظُرُ بِعَينِ الْمُسْتَقْبَلِ كَفِيلٌ بِأَنْ يَكُونَ فِكْرُ شَبَابِنَا فِكْرًا وَقَّادًا لَا يَهْتَمُّ بِمَا يَقُولُهُ النَّاسُ، هَمُّهُ الأَولُ تَحْقِيقَ أَهْدَافِهِ وَالرُّقِيُّ بِأُمَّتِهِ، فِكْرُ الاِنْجَازِ وَالاِكْتِشَافِ، فِكْرُ التَّحَدِي وَالاِجْتِهَادِ. فِإِذَا لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ الْفِكْرَ النَّاشِئِ تِلْكَ الْقُدْوَةَ الْحَسَنَّةِ فَإِنَّهُ يَتَشَبَّثُ بِقُدْوَةٍ لَهُ مِنْ أَيِّ مَكَانٍ لأَنَّهُ يَعِيشُ فِي فَرَاغٍ وَلِذَلِكَ نَجِدُ بَعْضَ شَبَابِنَا لَا يَقْتَدُونَ إِلَّا بِالْمُغَنِيِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ وَالْمُطْرِبِينَ وَالْمُطْرِبَاتِ الْتِي لَا يَزِيدُ إِلَى ذَلِكَ الْفِكْرِ إِلَّا الْجُمُودَ وَالتَّبَعِيَّةَ الْعَمْيَاءِ، يَكُونُ ذَلِكَ الْفِكْرُ فِكْرًا يَنْظُرُ إِلَى تَحْتِ قَدَمَيِّهِ لاَ يَتَقَدَمُ شِبْرًا، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعْطِي الْعَالَمَ شَيئًا؛ لِهَذا يَنْبَغِي عَلَينَا أَنْ نُرَكِّزَ عَلَى الْقُدْوَةِ لِكَي نَصِيغَ فِكْرًا سَامِيا وَنَاجِحَا.



ت‌) التَّقْلِيد الأَعْمَى: إِنَّ الْفِكْرَ الطَّامِحَ، الْذِي يَنْظُرُ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ بِعَينِ الاِنْجَازَاتِ، ذَلِكَ الْفِكْرُ الْذِي وَضَعَ خُطَطَهُ وَحَدَّدَ هَدَفَهُ، ذَلِكَ الشَّخْصُ الْذِي زُرَعَ فِيهِ الاسْتِقْلَالِيةُ فِي التَّفْكِيرِ، وَشُجَّعَ عَلَى عَدَمِ التَّقْلِيدِ، وَنُمِّيَ فِيهِ حُبَّ التَّفَنُّنِ وَالاِكْتِشَافِ؛ عَادَةً مَا يَكُونُ فِكْرًا مُسْتَقِلًّا عَن بَاقِي الأَفْكَارِ، ذَلِكَ الشَّخْصُ فِي مُعْظَمِ الأَحْيَانِ يَكُونُ صَانِعًا لِلقَرَارَتِهِ، عَارِفًا لِآمَالِهِ، سَاعِيًّا إِلَى تَحْقِيقِ مُسْتَقْبَلِهِ. إِنَّ مِنْ أَهْمِّ الأُمُورِ الْتِي جَعَلَتْ بَعْضَ الشَّبَابِ فِي حَالَةٍ مِن الْجُمُودِ الْفِكْرِيِّ نَاتِجٌ عَنْ تَقْلِيدِهِ لِغَيِّرِهِ. إِنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ عَقْلًا يُفَكِرُ بِهِ، يَصْنَعُ قَرَارَتِهِ، يُخَطِّطُ لِأَهْدَافِهِ لَا لِيَكُونَ إِمَّعَةً فِي هَذَا الْعَالَمِ الْفَسِيحِ، لَمْ يُخْلَقْ لِيَسُدَّ الْفَرَاغَ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى خَلِيفَةً فِي هَذَا الْكَونِ لِيُعْمِلَ فِكْرَهُ فِيهِ. إِنَّ اللهَ تَعَالَى حَذَّرَ مِنْ تَقْلِيدِ الأَعْمَى وَأَمَرَ بِإِعْمَالِ الْعَقْلِ وَالْفِكْرِ مِنْهَا قَولُهُ تَعَالَى:" وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ". (البقرة 170) فَفِي هَذِهِ الآيَّةِ وَآيَّاتٍ كَثِيرَةٍ يُحَذِّرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ التَّبَعِيَّةِ الْعَمْيَاءِ الْتِي تَقُودُ الإِنْسَانَ إِلَى الْمَهَالِكِ وَالْمَزَالِقِ. لِهَذَا يَنْبَغِي عَلَى شَبَابِنَا أَنْ تَكُونَ أَفْكَارُهُم بَعِيدَةً عَن التَّقْلِيدِ وَيَحْرِصُوا عَلَى الرُّقِيِّ بِأَفْكَارِهِم عَن طَرِيقِ الاِطِّلاعِ.



ث‌) وَسِائِل الإِتِّصَالِ الحَدِيثَةِ بِمُخْتَلَفِ أَشْكَالِهَا: إِنَّ الْفَرْدَ الْذِي يَعِيشُ فِي هَذَا الزَّمَنِ الْذِي يُسَمَّى زَمَنَ السُّرْعَةِ وَهَذَا الْعَالَمَ الْذِي يُسِمَّى بِالْقَرْيَةَ الْوَاحِدَةَ يَجِبُ عَلَيهِ أَن يَحْذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ عَلَى فِكْرِهِ وَمُعْتَقَدِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْوَسَائِلَ إِنَّمَا تُعْتَبَرُ مِن نِقَاطِ الْقُوَّةِ لِفِكْرِ الشَّبَابِ إِذَا مَا عَرَفَ هَؤُلاَءِ التَّعَامُلَ مَعَ هَذِهِ التِّكْنُولُوجِيَا، وَيُعْتَبَرُ نُقْطَةَ ضَعْفٍ إِذَا مَا اسْتَطَاعَ أَصْحَابُ الأَفْكَارِ الْمِسْمُومَةِ اسْتِغْلالَ هَذِهِ الْوَسَائِلَ لِتَغْيِّرِ إَفْكَارِنَا بِطُرُقٍ نَشْعُرُ بِهَا أَوْ لا نَشْعُرُ. كَمَا ذَكَرْنَا سَابِقًا أَنَّ الأَسَاسَ الْذِي بُنِيَ عَلَيهِ هَذَا الْفِكْرُ إِنَّمَا يَعْتَمِدُ عَلَى كَيفِيَّةِ اسْتِغْلالِ هَذِهِ الْوَسَائِلِ. إِنَّ الْفِكْرَ ذُو الأَسَاسِ الْقَويِّ، الْذِي تَرَبَّى عَلَى إِعْمَالِ فِكْرِهِ وَالاِعْتِمَادَ عَلَى عَقْلِهِ فِإِنَّ هَذِهِ الْوَسَائِلَ تَكُونُ دَاعِمَةً لِفْكِرِهِ، يَسْتَطِيعُ تَطْوِيرَ فِكْرِهُ بِهَا، يَنظُرُ إِلَى الْكَونِ بِمَنظُورٍ يَخْتَلِفُ عَن النَّاسِ. وَأَمَّا ذَلِكَ الْفِكْرُ الْذِي أُسِّسَ عَلَى قَوَاعِدَ ضَعِيفَةٍ سَيَنْجَرِفُ مَعَ تَيَّارَاتِ الْفِكْرِ الْغَرْبِيِّ، لَيسَ بِالطَّبْعِ الْفِكْرُ الْغَرْبِيُّ الْمُتَحَضِرِ الْذِي يَكْتَشِفُ وَيَخْتَرِعُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ الْفِكْرُ الْعَقَدِيُّ الْذِي يَدْعُو إِلَى تَمْجِيدِ الْغَرْبِ فِي لِبَاسِهِم وَعَادَاتِهِم وَتَقَالِيدِهِم حَتَى يَخْرُجَ الْفَرْدُ عَنْ عَادَتِهِ وَتَقَالِدِيهِ بِلْ وَيَصِلُ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ إِلَى دِينِهِ. لِذَلِكَ يَنبَغِي عَلَى الآبَاءِ تَنْشِأَتَ أَبْنَائِهِم عَلَى الفِكْرِ الْوَّقَادِ الْذِي يَسْتَطِيعُ الاسْتِفَادَةَ مِنْ هَذِهِ الوَسَائِلَ عَن طَرِيقِ غَرْسِ الْقِيَّمِ وَالْعَادَاتِ النَّبِيلَةِ فِيهِ وَالتَّحْذِيرَ مِن الاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا وَبَعْدَها يَبْنِي فِيهِ رُوحَ الْمُبَادَرَةِ، رُوحَ المَعْرِفَةِ، رُوحَ التَّنَافِسِ وَتَفْعِيلَ العَقْلِ.

الخَاتِمَة

إِنَّ أَيَّ أُمَّةٍ مِن الأُمَمِ إِنَّمَا يَعْتَمِدُ تَطَوُّرِهَا وَرُقِيِّها عَلَى فِكْرِ شَبَابِهَا، لأَنَّ مَرْحَلَةَ الشَّبَابِ مَرْحَلَةُ قُوَّةٍ وَفُتُوَّةٍ، مَرْحَلَةَ صُنْعِ الْقَرَارِ، مَرْحَلَةَ تَفْعِيلِ الْعُقُولِ وَالأَفْكَارِ. لِذَلِكَ كَانَ يَنبَغِي لِشَبَابِ هَذِهِ الأُمَّةِ أَن يَرْقَى تَفْكِيرَهُم وَتَعْمَلَ عُقُولَهُم لِجَعْلِ هَذِهِ الأُمَّةَ هِيَ الرَّائِدَةُ فِي كُلِّ الْمَجَالَاتِ مِن صِنَاعَةٍ وَاخْتِرَاعٍ وَاكْتِشَافٍ. إِنَّ فِكْرَ شَبَابِنَا الْيَومَ يَتَأَثّْرُ بِعِدَّةِ عَوَامِلٍ وَهَذِهِ الْعَوَامِلُ إِمَّا أَن تُحَفِّزَهُ عَلَى التَّجْدِيدِ وَالنَّظَرِ البَعِيدِ بِذَلِكَ الْفِكْرِ وَإِمَّا أَنْ تَنْسِفَ فِكْرَهُ وَتَصْنَعَ مِنْهُ فِكْرًا فَارِغَ القَوَامِ، فَكْرًا لَا يَدْرِي لِمْ هُوَ مَوجَودٌ فِي الدُّنْيَا. إِنَّ هَذِهِ الْعَوَامِلَ إِنَّمَا تَعْتَمِدُ عَلَى التَّنْشِئَةَ الأُولَى لِذَلِكَ الفِكْرِ. وَلِهَذَا يَجِبُ الاعْتِنَاءُ بِفِكْرِ أَطْفَالِنَا وَتَعْلِيمَهِ كَيفِيَّةَ التَّفْكِيرِ، نَكُونُ دَائِمًا صُنَّاعًا لِلعُقُولِ الْحَكِيمَةِ التِي تَنْفَعُنَا عِنْدَمَا تَشِّبُ هَذِهِ الأَفْكَارُ.



[1] رواه الترميذي، و أحمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق