الاثنين، 7 أبريل 2014

المحور الثالث ، الفائز بالمركز الثالث

المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا



المحور الثالث : "الفجوة الفكرية بين الأجيال" مفهوماً و مظاهر و آثار و حلول

صاحب المقال الفائز بالمركز الثالث في المحور : علي محمد أسمر أبو شحادة_ الأردن




المقال :
الفجوة الفكرية بين الأجيال


* المقدمة

من جيل إلى جيل تتغير المجتمعات ، فتتغير أنماط السلوك وتختلف طرق التفكير . وما بين جيل الأمس وجيل اليوم تظهر فروقات كثيرة في إدارة الذات والحياة ، وفي النظرة الكلية للعالم والكون والإنسان . وانطلاقا من هذه الفكرة نبحث في هذا المقال عن الفجوة الفكرية بين الأجيال ، من حيث مفهومها وأسبابها ومظاهرها وآثارها وبعض الحلول المقترحة لجسرها .


* مفهوم الفجوة الفكرية بين الأجيال

نستطيع أن نعرف الفجوة الفكرية بأنها ظاهرة اجتماعية تقوم على تمايز طرق التفكير بين الأجيال، أو على تغير الأنماط البنائية للتصورات العقلية ما بين جيل وآخر . وبهذا التعريف نقرر أن طرائق التفكر والتفكير والفكر ليست متحجرة ثابتة على نسق واحد ، وإنما هي متحولة متغيرة من جيل إلى جيل ، وبما أن الفكر ـ غاية ووسيلة ـ يتبدل بمرور الأجيال ؛ فلا بد لأجل ذلك من حصول الفجوة الفكرية نتيجة لازدياد التبدل والاختلاف الفكري بين الأجيال .

ولا يعني هذا أن الفكر يسير دائما في خط التطور ، وأن فكر هذا الجيل هو بالضرورة أعلى مرتبة من فكر الجيل السابق ، فهذه نظرة خاطئة وغير صحيحة ، إذ أننا نعلم أنه كما أن هناك تطورا فكريا في جوانب معينة ارتقت بفكر جيلنا عن فكر الجيل السابق ، فإنه أيضا إلى جانب ذلك توجد جوانب فكرية أخرى لجيلنا ظهر فيها القصور والعجز عن إدراك أو الوصول إلى مستوى فكر أجيالنا السابقة .

وبازدياد الاختلاف والتمايز والفروقات ما بين الأجيال في الجوانب الفكرية المتعددة تظهر الفجوة الفكرية جليّة واضحة . ولأجل تبين معالم هذه الفجوة يجدر بنا أن ندرس مظاهرها حتى تظهر لنا ماهيتها ومقدار حجمها وحتى نستطيع أن نحكم لها أو عليها .


* مظاهر الفجوة الفكرية بين الأجيال

ولهذه الظاهرة الاجتماعية مظاهر متعددة وجوانب كثيرة مشاهدة ، نذكر منها الظواهر الأساسية التي يندرج تحتها ويختفي ورائها باقي المظاهر الأخرى :

1- التمرد

وهو بمثابة الخروج على فكر الجيل السابق والانشقاق عنه وعدم القبول بمسلماته ، وهذا بالتالي يؤدي إلى إنشاء وممارسة فكر جديد ذو مسلمات وغايات ووسائل وأساليب مختلفة عما كانت عليه في فكر الجيل الأسبق لنا . ويظهر هذا جليا في الثورة الفكرية على القديم وعدم السماح بالقبول للتراث ، وهذا ما نشاهده في بعض أطروحات الحداثيين المناهضة والمهاجمة لفكر الأجيال السابقة .

2- التعصب

وهذا أدى إلى مظهر أخر للفجوة الفكرية في مقابلة التمرد وهو التعصب لفكر الآباء والأجداد والأجيال السابقة ، ومحاربة الفكر الجديد وعدم تقبله والسعي للقضاء عليه . ولا بد هنا من الإشارة إلى أن كلا الجانبين ـ المتمردين والمتعصبين ـ مخطئين ، فليس كل الفكر السابق عديم الفائدة ولم تعد له حاجة ، وإنما فيه حجم كبير من الصواب والصحة ولا ننسى أن فكرنا الماضي كان له أكبر الأثر في قيام حضارتنا ونهضتنا ورقينا ، مع التسليم ببعض جوانب القصور في فكرنا القديم ، والتي يمكن تلافيها .

وفي الجانب الآخر ليس كل فكر جديد هو صحيح وحقيقي ، فكم من نظريات متبدلة ومتغيرة هذه الأيام . ولا نستطيع أن نسلم حياتنا لأفكار متقلبة متبدلة كل صبح ومساء ، وإنما ينبغي علينا هنا أن ندقق ونمحص في كل ما يقرره الفكر في الجيل الحاضر؛ كي نستند إلى فكر حضاري عميق ، وليس إلى مجرد نظريات فارغة قد تجرنا إلى متاهات .

3- الصراع الفكري

ومظهر آخر لظاهرة الفجوة الفكرية للأجيال جاء كنتيجة حتمية للمظهرين السابقين وهو الصراع الفكري والنزاع بين أفكار الجيلين . فنحن نرى بأم أعيننا حجم وضخامة هذا الصراع الفكري بين الأجيال ، ونعيش في كل يوم آثار هذا الصراع المرير بين تمرد الجيل الحاضر وتعصب الجيل الماضي ، وهذا بالذات هو ما أنشأ هذه الفجوة وحفرها وعمق قعرها.



* أسباب الفجوة الفكرية بين الأجيال

وحتى تكتمل الصورة لدينا لا بد لنا أن نتحسس ونتعرف الأسباب التي أدت إلى وجود هذه الفجوة الفكرية بين الأجيال . ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر أهم أسباب الفجوة كما يلي :

1- التطور التكنولوجي في هذا الزمن ، والذي أدى بدوره إلى اختلاف جذري وأساسي في طرق وأساليب وأهداف الفكر في الجيل الحاضر .

2- الانفتاح والاحتكاك بالآخرين من الحضارات الأخرى والتعرف على كثير من المفكرين والفلاسفة من الشرق والغرب الذين أثروا على الفكر المعاصر لنا .

3- بعض الظواهر العالمية التي تسببت في الفجوة مثل : الغزو الفكري والاستشراق والتغريب والعولمة والعلمانية .

4- وضع أمتنا الحضاري الصعب ، إذ أننا منذ قرنين من الزمن دخلنا في دوامة الانحلال والتخلف والصراع الداخلي الذي أسس لهذه الفجوة الفكرية ولغيرها من آثار الانحطاط والموت الحضاري .

5- جاءت الفجوة كانعكاس للتطور الطبيعي للحياة الإنسانية ، وكضرورة مصيرية تابعة لقدر الله سبحانه في تحقيق سننه الكونية في التغير والتبدل والتنوع .



* آثار الفجوة الفكرية بين الأجيال

ويجدر بنا أيضا أن نمر على آثار هذه الظاهرة لنشاهد واقعها ونتبين انعكاسها على الحياة الواقعية التطبيقية ، إذ بما أن الفكر يظهر في انعكاسه على السلوك ، فحتما سنرى انعكاسا وإسقاطا لوجود هذه الفجوة في الفكر على الواقع العملي والحياة المعاشة لأمتنا .

وهذه الآثار تقسم بنظري إلى آثار إيجابية تدل على جزء من حسنات وجماليات هذه الفجوة ، وفي المقابل هناك آثار سلبية لها تدل على بعض جوانبها السيئة والضارة .



ــ الآثار الإيجابية

فمن الآثار الإيجابية للفجوة الفكرية نرى ما يلي :

1- تطور جوانب كثيرة في الفكر المعاصر ، كالآليات والوسائل والمناهج الفكرية وطرق البحث الفكري والتأليف الفكري .

2- ظهور بعض المفكرين المميزين والمبدعين من الجيل الحاضر .

3- تقدم الفكر الإسلامي والعربي خطوات عملاقة في هذه العصر؛ فقد وقفنا على أعتاب الصحوة والنهضة واليقظة والحضارة بعد تخلخلنا وتزعزع نظامنا الفكري لفترة من الزمن بسبب هذه الفجوة وغيرها من ظواهر الفكر الحديث لأمتنا .

4- زيادة الوعي وانتشار العلم والمعرفة نوعيا وكميا في المجتمع كنتيجة للأخذ والرد بين الأجيال .



ــ الآثار السلبية

وأما في الجانب السلبي للآثار الناجمة عن هذه الفجوة الفكرية فنذكر ما يلي :

1- تغير كثير من القيم ، واختلاف النظر إليها ، فقيم الفضيلة والكرم والشجاعة والتضحية والتعاون والتشارك فقدت كثيرا من معانيها الرائعة .

2- ظهور بعض المشكلات الاجتماعية مثل الطبقية والعصبية والتنازع الطائفي والصراع الحزبي الخارج عن الخط ، وكل ذلك نتيجة لبعض التصورات الفكرية المعاصرة.

3- نشوء بعض المشاكل الأخلاقية كانتشار الفواحش والجرائم والجنح كآثار لبعض نظريات الانفلات الفكري الحديث .

4- زيادة الخضوع للآخر والتشبه به وتبني أفكاره وتقليده ، بسبب الإغراق في التبعية الفكرية له ؛ كمظهر من مظاهر الفجوة الفكرية . وما ينشأ عن ذلك من ضرر فكري للأمة بمجموعها .

5- مهاجمة الأصول والأساسات الفكرية لأمتنا وإثارة الشبهات حولها ، والتنقيص منها ، وعدم الاعتقاد بها كالقرآن والسنة ، وهذا بحد ذاته دمار ذاتي لمقومات حضارتنا ونهضتنا ووجودنا .

6- دخولنا في متاهات الانحراف الفكري والانفلات الفكري والشذوذ الفكري وما إلى ذلك . وهذا ربما بسبب من الرغبة في الخروج عن المألوف أو في مناكفة الأجيال السابقة أو التسرع في إثبات الرقي الفكري لجيلنا دون تعمق في البحث أو توازن واتزان في المعايير الدقيقة لفكرنا الحديث المعاصر .



* بعض الحلول المقترحة لجسر الفجوة الفكرية بين الأجيال

وهنا نصل إلى زبدة المقال وخلاصته ، إذ بعد اتضاح مفهوم الفجوة الفكرية بين الأجيال ودراسة مظاهرها وأسباب نشوئها وآثار وجودها يصبح كلامنا عبثا من العبث دون صياغة نظرة صحيحة واقتراح حلول لردم هذه الفجوة أو جسرها والارتقاء فوقها لنعود إلى سلم النهضة لنرقى بأمتنا ونعود لاستلام دورنا الحضاري .

وينطلق طريق حل هذه الفجوة وبناء جسر العبور فوقها من إدراكنا بداية لوجوب النهضة الفكرية لأمتنا وإزاحة كافة عناصر الهدم ومشاكل الفكر والأغاليط الفكرية الموجودة عندنا . فإذا ما رجعنا إلى أنفسنا علمنا أننا نملك كثيرا من مقومات البناء والنهوض الفكري ، والتي يجب أن تثار وتظهر وتتفاعل في وجداننا لصنع حضارتنا . وفي الجانب الآخر هناك بعض المكونات الفكرية السلبية لنا يجب الحذر منها واستبعادها وتنقية ذواتنا ومجتمعاتنا من آثارها الفكرية المخربة لبناء الحضارة واستعادة الذات والروح الحضارية لنا .

ومن هذا المنطلق إليك بعض هذه الحلول المقترحة لجسر هذه الفجوة :

· حوار الأجيال

فإحلال الحوار محل الصراع هو البديل الأمثل للتنازع الفكري ، إذ بالحوار نحقق تكامل خبرة الأمس مع نظرة اليوم ، وبالحوار نحتوي على أصالة الماضي إلى جانب معاصرة الحاضر . وبالحوار نجمع بين المصادر القديمة والتصورات الحديثة . وبكل هذا نحقق عن طريق حوار الأجيال تكاملا ونهضة فكرية كفيلة بعبورنا مضيق الأزمة الفكرية الراهنة .



· تأصيل الفكر

فبتأصيل الفكر ووضع الأسس المنطقية والمعايير الراسخة الحقيقية له سنحد بشكل كبير من حجم الفجوة . وحين توضع الموازين والمعايير بدقة نستطيع بكل راحة واطمئنان أن نحاكم الأفكار جديدها وقديمها . فقديمها بهذا يثبت منه الثابت الحقيقي المؤصل ، ويستأصل منها ما كان مزيفا أو مدخلا أو ثبت خطؤه وقصوره. وجديد الفكر كذلك حين نخضعه لهذه الموازين والمعايير نتحقق من صحته وحقيقته فما كان منها كذلك ثبتته الأصول واستوعبته وما كان منها شاذا فهو زبد بحر يذهب جفاءا .



· فهم الواقع

ونقصد به هنا معرفة الساحة الفكرية الحالية ، ومعرفة ما يلزمها من مقومات وتصورات ، وبهذه المعرفة نستطيع إحلال آثار الفجوة الإيجابية في مكانها الصحيح كمحفزة للنهضة والبناء . كما أننا بهذه المعرفة للواقع نتحسس الآثار السلبية للفجوة الفكرية بين أجيالنا فنستبعدها ونتخلى عنها . وبهاذين الخطين نشيد جسر الفجوة بواسطة الفهم والإدراك والمعرفة والعلم الصحيح الدقيق الراسخ ثم بالارتقاء بالعمل والحركة والسعي لإحياء ذاتنا وقيام صرحنا الحضاري .



· المشاريع المتكاملة

وفي الجانب العملي ينبغي لنا أن نقيم مشاريعا متكاملة مبنية على المحاور الثلاثة السابق للحلول من حوار الأجيال وتأصيل الفكر وفهم الواقع . وهذه المشاريع ينبغي أن تكون ذات أهداف واضحة لجسر هذه الفجوة ، ويجب أن تسهم فيها المؤسسات السياسية والعلمية والاجتماعية والإعلام والمفكرون وكل من له يد أو مساس بهذه الفجوة ، وكل بحسب دوره وقدرته وإمكاناته . وهذا يتجلى في البحث العلمي حول الفجوة ورصد مظاهرها وآثارها وإقامة الحوارات والمؤتمرات والندوات عنها ، والاهتمام بها أكاديميا وتربويا وإعلاميا وسياسيا .



* الخاتمة

وفي النهاية نقول أن هذه الفجوة الفكرية بين الأجيال كما تبين من خلال المقال هي ظاهرة لها مظاهر وأسباب وآثار وضحنا كل منها في موضعه ، ولأنها واحدة من أبرز مفاصل فكرنا المعاصر وأكثرها تأثيرا على بنيتنا الفكرية فقد قمنا باقتراح بعض الحلول لها ، وهذا المقال هو بمثابة المقدمة للكتابة في هذا الموضوع الشائق والشائك لا نزعم كمله ولا تمامه وإنما هو جهد بشري ، فما فيه من خير فمن الله ، وما فيه من غير ذلك فمن هوى النفس وتغرير الوسواس ، فيا أيها القارئ الكريم خذ ما فيه من نفع ، ودع عنك ما سوى ذلك مع بذل المعذرة لكاتبه ، ولله الحمد من قبل ومن بعد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق