الاثنين، 7 أبريل 2014

المحور الثالث ، الفائز بالمركز الثاني

المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا



المحور الثالث : "الفجوة الفكرية بين الأجيال" مفهوماً و مظاهر و آثار و حلول

صاحب المقال الفائز بالمركز الثاني في المحور : سعاد بنت فايز العلوية_ سلطنة عمان




المقال :
تدحرج المنظومة الفكرية بين الأجيال



إن جدليات المجتمعات على اختلاف حدتها وتنوع زاوية الجدل ماتزال تلقى تأرجحا بين حجرات فكر أبناء المجتمعات تائهة بين وجهات النظر المتباعدة بحكم اختلاف الخبرات وسنوات مكوث الفرد في الحياة؛ مولدة بذلك هوة مختلفة العمق بحسب الفكرة القائم الجدال فيها وحسب طبيعة المجتمع المطروحة فيه وبحسب طبيعة المؤيدين والمعارضين فكريا، لتنتج لنا مايطلق عليه البعض "جدار الزمن بين الأجيال" أو "الفجوة بين الأجيال".

والفجوة بالشمول هي وجود هوّة أو فراغ أو مسافة تبعد بين طرفين وتمنع التقائهما. فالفجوة بين جيلين تعني وجود فاصل زمني تتبعه أبعاد ثقافية و اجتماعية وحتى اقتصادية بين جيل وآخر، وباتساعه تتسع وتكبر وتتعدد الاختلافات.

ولعل من أهم علاماتها وجود تباين صريح في الاتجاهات الفكرية وفي المنظومة القيمية الشاملة مثل القيم الثقافية والمجتمعية والسلوكية والتي قد تتضارب مع الدين في شكل من الأشكال أحيانا. وبكون الثقافة أهم ما يميز جيل عن آخر على اعتبار أنها هي من تحد هوية الأجيال وتميز جيلا عن سابقه فيمكن أن نعرفها على أنها اختلاف في وجهات النظر للحياة بمقتضياتها.

وقد نستأنس من ابن خلدون يوم أن حدد عمر الدول على ثلاثة أجيال؛ رغم أن الصورة فيما صرح به قد تتضائل مع استخدام الفكر في كل خطوة تطوير ولكنها تحدث بشكل من الأشكال. وبالإمكان أن نحاكيه ونستخلص ما يتناسب مع الوضع الراهن لنقول: أن مجتمعاتنا تنقسم إلى مراحل في التفكير بين الآباء والأبناء وهم شيئا فشيئا قد يلتقون في عدة نقاط يتفقون عليها:

- ففي المرحلة الأولى: اتسمنا بالبداوة بما تمتاز به من شظف العيش والكفاح من أجل اللقمة ، وسط صور من النزعات القبلية والإنغماس في العادات والتقاليد.

- وتأتي مرحلة ثانية: ينشق فيها الجيل الأصغر إلى الرغبة في التحول إلى الحضارة نتيجة الإنفتاح العلمي والتبادل المكاني والتعايش بين المدن الحضرية، فمن الشظف إلى الترف والخصب، وتتبادر تمردات نحو العصبية والطبقية القبلية والعادات التي حفظناها في صغرنا المقرونة بالعيب والفضيحة.

- أما المرحلة الثالثة: والتي نأمل أن تتضائل حدة وطأتها حين حدوثها مستقبلا وهي "نسيان عهد البداوة والخشونة كأن لم تكن"، وقد يصلون إلى الضرب بالعادات والموروثات عرض الحائط إن لم تتناسب مع ماسيكون عليه المجتمع من تحضر ملحوظ قد لا يتماشى مع بعض من معتقدات الآباء". (2) مستشف من "التطبيق المقاصديّ في المنهج الخلدونيّ - عبد الرحمن العضرواي.

ولربما نحن ومن بعض ما ذكر بعاليه نستطيع أن نتبين أن كل مامن شأنه إحدث مثل هذه التغييرات والتحكم في حدتها هو الفكر وإعمال العقل لنصل إلى الاتزان المعرفي والسلوكي، وهذا بذاته ما يجعل الأجيال في شد وجذب وكذا الحال بين جميع الأجيال تعيش فترة من الاتفاق ثم يأتيها عهد نشوء أو تبني أفكار دخيلة يتقبلها جيل ويرفضها سابقه ثم يصلون إلى نوع من الرضى وإن لم يكن بالتام لكن التدرج في تقبل وإعمال بعض الأفكار الدخيلة هو ما يجعل كلا الجيلين يتعايشان معها بعكس إن تم فرضها فرضا.

ويتفق الأغلب إذا لم يكن الكل على أنه من أسباب حدوث مثل هكذا فجوة هو الطفرة الاتصالية والمعلوماتية التي تعيشها مجتمعات العالم بأسره مما عزز من تباعد نطاق التفكير بين فئة عمرية وأخرى، إضافة إلى أن هذه الثورة المعلوماتية عززت هذا التباعد حتى بين أبناء الفئة العمرية المتقاربة. ونستطيع القول بأن اتساع حجم هذه الفجوة يتماشى عكسيا مع الجانب المعرفي للأفراد؛ فضيق الإدراك المعرفي والاطلاع على كل ما هو جديد من قبل فئة معينة من شأنه خلق تخلف فكري في المجتمعات وهذا بالضبط ما قد تعانيه بعضها. ردفا على ذلك فإن العالم أصبح يتسم بسرعة زيادة التغير الثقافي بين أبنائه ومن هم في نفس الفئة العمرية، فكيف بحال من تفصلهم سنوات تصل إلى أكثر من عقد من الزمان؟.

وقد نعزوا أيضا الإنفتاح الفكرية على القضايا وتطلعات شبابنا إلى سهولة الحصول على المعلومة مع توفر عوامل الإبداع والابتكار بشكل أوسع من ذي قبل، بعد أن أصبح العلم في متناول الجميع مقرونا بسهولة الاتصال والتواصل لتبادل الخبرات والأفكار، مع وجود عامل ذلل كل هذه المصاعب وهو توفر المال لدى الكثيرين بعكس الحياة التي سبقتنا. فآباؤنا كانوا يسعون كدحا من أجل جني المال الذي من شأنه توفير حياة كريمة لأبنائهم، ونحن اليوم ننعم بذلك المال و شواهد التنمية التي خلفوها لنا مما وفر علينا خطوة الكدح من أجل جمعه. أي أننا بفضلهم اجتزنا خطوة العمل من أجل جمع المال الذي يسد الحاجة.

أما فيما يخص التباين الملحوظ في الأفكار والمعتقدات والتوجهات فالتكنولوجيا الحديثة لعبت دور البطولة في توسيع هذا التباين. فمع قدوم جيل بعد آخر يكون الجديد متصلا أكير عن سابقه بمفردات التقنية المعاصرة والتي هي بطبيعة الحال أكثر اتساعا من تلك التي توفرت لآبائهم وبالتالي هم يتمتعون بمدارك مختلفة عما تمتع بها آبائهم ووجود (الآلة) ساعد على تخطي الكثير من مراحل العمل والبحث. فالأجيال مع مرور السنوات نراها تتسلح أكثر بالتكنولوجيا لحاضرها ولبناء مستقبلها.

وقد نلقي اللوم على الآباء ذاتهم بسبب ما قد وصل إليه شباب اليوم من انفتاح فكري وسلوكي أيضا؛ فمن قام بتربية الأبناء هم الآباء نفسهم أو لنقل هم من أشرفوا على تربيتهم. فبطبيعة الحال ما عاشه أجدادنا وآباؤنا في شبابهم لم يرتضوه لنا أن نعيشه لما تكبجوه من عناء ومشقة من أجل لقمة العيش، هم كرسوا حياتهم سعيا لأجل أن لا يحتاج أبنائهم من بعدهم، ولعل هذا يتضح ممن صيروا أبناءهم لطلب العلم فقط مانعين إياهم من الإهتمام بأي شيء آخر إيمانا بأنه بعد العلم تتذلل جميع الصعاب. إضافة إلى أننا قد نكون بالغنا إن نعتنا طريقة تفكير الجيل الحالي بالسطحية واللاهدف، ذلك أن استراتيجيات التربية والتعليم كذلك تختلف من جيل إلى آخر، ولعلنا نستدل بقوله تعالى: (...وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ... ). فما هو موجود اليوم لم يكن بالأمس موجودا وعلى الآباء التعاطي مع هذه الاختلافات بمرونة ويكفينا استشهادا على ذلك قول الإمام علي كرم الله وجهه: "ربوا ابناءكم لزمان غير زمانكم"، والمراد في هذا القول أن ثقافة كل زمن تختلف عن سابقه وتتطلب التحلي بالمرونة الفكرية التي تتماشى مع متطلبات كل عصر.

ومما ينبت بذرة الخوف فينا من التحضر الملحوظ احتمالية بل تأثر بعض القيم السلوكية والاتسام بالإنفتاحية مع تقدم الزمان والتي قد تتعداها لتأثر بعض المعتقدات الدينية. بيد أن التحضر المراد ليس له علاقة بالثوابت. فالثوابت الدينية لا علاقة لها بتعاقب الأجيال؛ ذلك أنها ليست موضوعة من البشر إضافة إلى أن الدين وتنفيذ تعاليمه صالح لكل زمان ومكان بما يقتضيان، لكن الثابت منها هو ثابت لا شقاق في ذلك وكل ما يخالف هذا المنطق فهو انحراف في الفكر وتوظيف لمفهوم التحضر في غير موضعه.

فيما عدا ذلك فيظهر هذا الجدار الزمني في آلية التفكير جليا على نمط الملابس المختارة والأغاني المسموعة وحتى في الكلمات والألفاظ المستخدمة والتي انقرض منها الكثير برحيل الكثير من أصحاب جيلها وتحضر من تربى على أيديهم من الدرجة الأولى. العادات لم تعد ركائز يستند عليها مجتمع معين بل باتت شكليات تُدَثَر بها المناسبات والتجمعات والبعض قد خلع رداءها اقتناعا بعدم حاجته للتدثر بها. التدرج الوظيفي الرأسي الذي باتت تتمتع به المرأة واستنكار أولياء الأمور وبعض الرجال الذين في الأغلب نصفهم بالشرقيين إزاء ما كان يتمتع به المجتمع الشرق أوسطي من إنقباض في مثل هكذا أمور، هذا التدرج الذي قد يندر في المناطق الريفية أو حتى في المنازل التي مازالت تضمن أفرادا مثل (الجد والجدة) أو الوالد في العقد الثامن من العمر، مايزالون متحفظين في مثل هكذا أمور؛ ذلك أنهم فكريا لم يقتنعوا ذاتيا بسبب البيئة التي تحكمهم، بعكس من شد رحاله إلى المدينة الأكثر إنفتاحا أو شرع باب منزله للعلم والتعلم واستعمال معتقدات حداثوية تعيد هيكلة التفكير وزاوية النظر للأمور.

الكثير من الدراسات الغربية قبل العربية حذرت من مثل هذه المسافة بين الأجيال خاصة فيما يتعلق بجانب الثقافة، مع التسليم بأنه مع تغير نمط الحياة بدخول أفكار جديدة وخروج أخرى تتغير العادات الفكرية في الوقت الذي قد يجهل فيه الآباء أو من سبقت مرحلة شبابهم هذه التغييرات كيفية التعامل مع مثل هذه المستحدثات. بيد أن الحل الأنسب والذي ليس بحل نهائي ولكنه دافع لشيء من الضرر مخففا لحدته هو إدارة استقبال هذه المستحدثات من الأفكار من قبل الشباب الواعي إضافة إلى جعل الآباء والجيل السابق على اطلاع بها قدر المستطاع، فإن كان لا بد من التغير والتغيير فينبغي أن يكون بجرعات تمهيدية إضافة إلى إشراك الجيل السابق في عملية التغيير من حيث إطلاعه واطلاعه على ما يضج به العالم من أفكار جديدة بشكل دائم. فاستخدام الأب الخمسيني وعلمه على عالم الانترنت نت وشبكات التواصل الاجتماعي من شأنه تضييج المسافة المبهمة بينه وبين ابنه العشريني مما سيعطي مجالا لفتح باب الحوار بين الجيلينن فمسافة ثلاثة عقود بين الإثنين ليست بالقصيرة وينبغي مد جسر تواصل بينهما.

كذلك فإن الإطلاع على وسائل التثقيف المتوفرة مثل وسائل الإعلام على اختلافها قد يخلق حلقات مشتركة بين أبناء المجتمع من الكبار والصغار وليس معنى هذا أن يعيش الأب حياة المراهق تائها بين دردشة شبكات التواصل الاجتماعي والتعارف الغير هادف، فكل سن له حكمه أيضا. ردفا على ذلك تقنين تحركات فكر الشباب بما يضمن عدم انحراف فكرهم لما لا ينفعهم ولا ينفع مجتمعاتهم وما لا يتماشى مع المبادئ العامة لمجتمع بعينه. مع البحث عن جدوى عصرنة التراث والتقاليد القديمة هذا النهج الذي تنتهجه الكثير من الحكومات لخلق نقطة ربط بين فكر الأجيال. كل هذا من شأنه التضييق وتقريب المسافة التي أضحت الشغل الشاغل للعالم أجمع وسط ما يعرف بالفجوة الثقافية والفكرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق