المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا
المحور الثاني : طرق لتطوير الأنظمة التعليمية القائمة على الحفظ و التلقين لا على الفكر و التفكير
صاحب المقال الفائز بالمركز الأول في المحور : نورا مصطفى مرعي_ لبنان
المقال :
طرق تطوير الأنظمة التّعليمية القائمة على التّلقين لا على الفكر والتّفكير
تتخذ قضية إصلاح مناهج التّعليم مكانةً مهمّة، وهي من جملة القضايا المطروحة في عالمنا من أجل تحسين مستوى التّعليم، ليس رغبة في الارتقاء بالمتعلّم في مجتمعه فقط بل من أجل التّطور والتّقدم في مجالات المجتمع كلّها. فإلى أيّ مدى يمكننا تحسين الطّرق التّعليمية وأساليبها؟ وكيف يمكننا ذلك في ظلّ التّحديات الرّاهنة؟
يعدّ إصلاح التّعليم مدخلاً رئيسًا لإصلاح الوطن انطلاقًا من مقولة " مدرسة تفكّر... وطن يتعلّم"، لأنّ تقدّم الوطن مرهون بتقدّم المواطن المتعلّم الّذي لا يقاس بمدى ما حصل عليه من معارف، بل بقدرته على التّفكير لاتّخاذ القرارات المناسبة في التّعامل مع العوائق والمشكلات في الحياة، ولن يكون ذلك إلاّ بتعليمٍ مختلفٍ من نوعه سيوصلنا إلى الارتقاء بوطننا، وهو التّعليم الّذي يعتمد على مناهج تناسب روح العصر، وتتيح للأجيال المتعاقبة القدرة على التّفكير النّقدي والتّفكيرالمنهجي العلمي عبر تبني استراتيجيات تستثير الفكر وتساعد المتعلّم على تنمية مهاراته، من خلال تدريبات تتحدّى فكره وتشغل عقله بالتّحليل والتّركيب والنّقد والمقارنة، بهدف الوصول بالتّفكير إلى أعلى المستويات خصوصًا أنّه سمة من سمات الإنسان الّذي ميّزه بها الله سبحانه وتعالى عن باقي الكائنات. لذا فهناك ضرورة تستدعي النّظر في مناهجنا بصورة عامة لتحديثها كي تصبح مواكبة للقرن الحادي والعشرين، لأنّها لا ترتبط في أهدافها وأساليبها واستراتيجياتها بالحياة، بل هي بعيدة كلّ البعد عن مشكلاتنا اليومية. كما يجب تضمين التّعليم المهارات الضّرورية لتنمية طبيعة التّفكير النّقدي والإبداعي، وتزويد الإنسان بمهارات بحثية وذاتية واجتماعية، إضافة إلى تقليص الفجوة العلمية والتّقنية بيننا وبين مَن سبقونا من الأمم الأخرى.
يمكن أن نحكم على برامج التّعليم من خلال ثلاث نقاط أساسية:
_ اعتماد معايير محدودة من أجل دراسة البرامج التّعليمية.
_ التّدقيق في البرامج التّعليمية كي يتمّ تحديد نقاط القوة والضّعف والعمل على التّغيير.
_ التّقييم بهدف التّقويم لكي نطوّر برامجنا بما يلائم التّحديات العالمية، وتوجيه العملية التّعليمية نحو تنمية الإنسان وتقدّم المجتمع.
انطلاقًا من هذه النّقاط، وجب علينا التّركيز على مجالات التّعليم الّتي تعدّ المؤهل الأوّل لدخول الألفية الثّالثة بتحدّيات الثّورة المعلوماتية والتّقنية. وبالتّالي يجب علينا تدريب الإنسان الّذي يواجه المتغيرات العالمية في الحاضر والمستقبل عبر فتح آفاق جديدة له، وجعله قادرًا على التّخطيط لمساره ومستقبله كي لا يكون مختلفًا عن غيره في ظلّ وسائل التّواصل الحديثة.
ومع بداية الألفية الثّالثة، صار علينا إيجاد ما يناسب هذا الإنسان المتعلّم من مناهج تعليمية تعلّمية قائمة على تحديد أهدافه الإنسانية وعلى التّخطيط الاستراتيجي السّليم للارتقاء بمهارات التّفكير لديه، والحاجة إلى تحديد القدرات الجديدة الّتي هي مهمّة المعلمين تجاه الأجيال المتعاقبة. فالتّعليم ضروري ولكن ليس أيّ تعليم يستطيع الوصول إلى الأهداف بل التّعليم الحديث القادر على مساعدة الصّغار والشّباب في آنٍ معًا، وعلى مواجهة المستقبل بثقة وفعالية ومسؤولية واعية حتّى يتسلحوا بأفضل ما يكون ليخوضوا بالتالي عالم الغد بطمأنينة. وينبغي تحديد خطة تعليم جديدة ترتكز على:
· التّكامل في شخصية المتعلّم من خلال أساليب التّدريس الحديثة الّتي تركّز على تنمية المهارات التّحليلية والإبداعية في آنٍ معًا، وعبر تزويده بالثّقافة الهادفة.
· توظيف طرائق تقييم حديثة والتّنويع في شكل الاختبارات، وإعادة تصميم وسائل التّقييم لتقيس مدى قدرة المتعلّم على تطبيق ما تعلمه واستيعابه.
· تقييم دائم لطرق التّدريس المتّبعة، والاطّلاع على أوراق المتعلّمين الّتي تعكس مستوى تحصيلهم العلمي، والقيام بإجراءات لتقييم الفعالية التّعليمية.
· بناء الهوية الشّخصية وتنمية الثّقة بالنّفس، وإعداد المتعلمين لعالمٍ متباين الأشكال ومعقّد وشمولي عبر تطوير قدراته البحثية والفكرية وإكسابه المعارف المتنوعة.
· توفير المناخ الملائم الّذي سيؤدّي إلى إكساب المتعلّم مهارات التّفكير النّاقد وتهيئة الأجواء للانتقال بمفهوم التّربية من التّلقين المتعمّد القائم على التّذكر والحفظ إلى تعليم مهارات التّفكير النّاقد والتّوجه نحو التّعلم الذّاتي.
· توظيف التّكنولوجيا والإفادة منها في مختلف أوجه العملية التّعلمية.
· التّعليم في بيئة غنية بمصادر التّعلم، تثير تفاعل المتعلّمين وتحفّزهم على التّفكير عبر اعتماد استراتيجيات متعددة كالتّعلم التّعاوني، والتّعلم التّمايزي، والتّعلم القائم على النّقاش والحوار من أجل إنجاز مشروع ما بعيدًا عن الأطر التّقليدية المتعارف بها.
· طرح الأسئلة المفتوحة الّتي من شأنها أن تثير التّفكير عند المتعلّمين وتحثّهم على التّأمل، وتستثير ذهنهم لأنّها تستدعي التّحليل والمقارنة والاستنتاج.
· التأمل الذّاتي وإصدار الأحكام المناسبة في ظلّ مواقف عديدة يتعرضون فيها إلى التّفاعل مع المشكلات الّتي تحتمل حلولاً متعددة مع القدرة على النّقد البنّاء، لذا يجب تعليم الطّلاب على اتّخاذ قرارات مناسبة وإصدار أحكام عديدة ومناسبة عبر التّحاور بحرية ومسؤولية.
· الإفادة من التّجارب النّاجحة في هذا المجال كتجربة "ماليزيا" في التّنمية البشرية ونهوضها من دولة فقيرة إلى دولة متقدّمة، وهي دولة مسلمة حافظت على نسيجها الإسلامي مع التّقدّم الهائل الّذي حصل في مؤسساتها التّعليمية، كما لا يمكننا أن ننسى تجربة "سنغافورة" أيضًا وتغيير برامجها التّعليمية لتناسب متطلبات العصر عبر التّركيز على شخصية المتعلّم وفكره.
إذًا، علينا أن نتوجه إلى تعليم إنساني يلبّي اهتمامات المتعلمين، الّذي يركّز على نمو الشّخصية بتوجيه ذاتي في بيئة مناسبة لذلك، لأنّ عملية التّعلم والتّعليم ليست فقط من أجل حياة أفضل بل من أجل إغناء الرّوح الإنسانية. لذا وجب على المدارس تغيير برامجها التّعليمية كي تساعد المتعلّم على التّفاعل مع هذا العالم الجديد، خصوصًا أنّ المستقبل غير واضح ويصعب إدراكه في ظلّ التّغييرات الكبيرة. وأنا كتربوية صاحبة تجربة ممتدة في التّعليم لأكثر من ثماني سنوات أشجع على إيجاد عملية تعليم حقيقية تُعنى بحاضر الطلاب؛ وتتحداهم بطرح المشكلات والمسائل والأفكار الّتي يجدون فيها متعة التّعلم، على أن تكون مرتبطة بحياتهم وفي بيئة غير تنافسية، إذ يكتشف المتعلّم الحافز الذّاتي المتجدد عنده أثناء تزويده بالمعرفة والمهارات اللازمة للحياة في عالم معقّد ومتغير كعالمنا اليوم، ويركّز المعلّم على أمرين:
- النّمو الأكاديمي/ التّربوي.
- النّمو الشّخصي/ الذّاتي.
كما تجدر الإشارة إلى نقطة لها أهميتها في تغيير المناهج التّعليمية أشرنا إليها سابقًا في بداية المقال تقوم على اعتبار الّتقويم جزء مهمّ في عملية التّعليم، وأحد أركانها الأساسية، فكيف سيكون التّقويم الحديث؟
قبل أن نوضّحه علينا أن نعرّفه، فالتّقويم هو عملية إصدار حكم على قيمة الموضوعات أو المواقف التي يقوم بها المتعلّم اعتمادًا على معايير معينة. يرمي التّقويم إلى معرفة مدى النّجاح أو الفشل في تحقيق الأهداف العامة الّتي يتضمنها المنهج إضافة إلى نقاط القوة والضّعف به، حتّى تحقق الأهداف كاملة بأحسن طريقة ممكنة. والتّقويم عادة يعتمد على مصادر متعددة للوصول إلى حكم يتعلّق بالتّحصيل الدّراسي الخاص بالمتعلّم.
يعدّ التّقويم أحد أركان تطوير العملية التّعليمة والتّعليمية، إذ يساعد على إحداث تغيير في أهداف التّدريس واستراتيجياته، والمواد التّعليمية، لأن نتائج التّقويم تؤدّي دورًا واضحًا وجليًا في تشخيص نقاط الضّعف والقوة عند المتعلّم. والملاحظ منذ أواخر القرن العشرين، أنّ هناك تغييرًا نوعيًّا في مفهوم التّقويم، فقد ازدادت الدّعوات إلى تطوير سياسات التّقييم والإجراءات الّتي من شأنها أن تقدّم عملاً أفضل في مجال التّقويم التّربوي، لأنّه لم يعد هدفًا في حدّ ذاته بل غدا وسيلة لإصلاح مشكلات المتعلّم وقصوره في الأداء لإزالة العوائق الموجودة أمامه وإيصاله إلى تحقيق الأهداف المطلوبة منه. لذا، صار التّقويم موجهًا إلى قياس الأداء الحقيقي عند المتعلّم، وكان لا بدّ أن يغيّر التّربويون أساليب التّقييم وأدواته بغية قياس هذا الأداء، وقد نوّعوا في أساليبهم، ومن الأدوات المستخدمة في هذا المجال سجل الطالب (Portfolio) والملاحظة وفق قائمة معيارية (Standardized Checklist) وتقويم الأداء العملي للطالب وفق قائمة المحكات (Rubrics)، واستخدام خرائط المفاهيم وأدوات أخرى عديدة جدًّا. ويحقق التّقويم وظائف عديدة، فهو يوجّه تعلّم المتعلّم، ويحدّد جوانب الضّعف لعلاجها وتلافيها، وتعزيز جوانب القوة وترسيخ المعلومات ، كما يعرّف المتعلّم بنتائج تعلّمه عبر إعطائه فكرة واضحة عن أدائه، ويثير دافعية المتعلّم للتعلّم والاستمرار فيه. إضافة إلى تجاوز حدود المعرفة إلى الفهم، لتسهيل انتقال الأهداف والكفايات التّعلمية.
يعد البورتفوليوPortfolio أو ما يسمى بحقيبة أعمال المتعلّم، أسلوبًا من أساليب التقويم الّذي يهدف إلى تحسين التّعليم والتّعلم، من خلال عرض إنجازات المتعلم وأفضل أعماله موثقة بالدلائل، إذ يقوم المتعلّم بعملية جمع منظم ومستمر للإنجازات الّتي توثق تقدمه المعرفي، والأهداف، والجهود الممارسة من قبله خلال العملية التعليمة، والمواقف والاتجاهات، إذ يقوم بتوثيق التّطور والتّأمل الفكري ليظهر معرفته ومهاراته الّتي تقود إلى إبراز مواطن التّطور والتّقدم عنده وتحقيق الأهداف. وقد عرّفه( Tarnowsky,1998,44) أنه أداة لتقويم برامج التّربية تعكس النّمو ونقاط القوة والضّعف والقدرة على التّنظيم والإبداع في تطبيق المعرفة.
أما وسيلة التقويم الثّانية فهي استخدام خريطة المفاهيم لتقويم تعلّم الطالب بطرق شتّى، منها أن يقدّم للطّالب خريطة مفهومية ناقصة ويطلب منه استكمالها، ويجب أن يكون النقص في المفاهيم أو في الكلمات الرابطة، وقد تكون في الوصلات نفسها.
من أساليب التّقويم أيضًا، السّلم التقييمي Rubrics، وهو نوع من أدوات التّقييم يقوّم أداء المتعلّم المعتمد على معايير محددة ومعروفة لكل من المتعلّم والأستاذ عبر توصيل توقعات الأداء للطلاب. يخبر السلم التقييمي المتعلّم بما هو متوقع منه، إضافة إلى معايير وضع الدّرجات، وعدد النّقاط التي سيحصل عليها مقابل كل مهمة يقوم بها، وكيف سيتم تصحيح أعماله، كما يشتمل على قدر كبير من الموضوعية، تساعده هذه الوسيلة على فهم طريقة تصحيح مهامه وماهية نقاط ضعفه وقوته، كما يدمج في عملية تقييم تقدمه.
يتبيّن بعد هذا العرض أنّ أدوات التّقويم تسهم في مساعدة المتعلّم على الوصول إلى أعلى المستويات التّعلمية.
ختامًا، يتبيّن أنّ التّعليم بمعناه التّقليدي القائم على ثقافة التّلقين والتّذكر والحفظ لم يعد يناسب عصرنا السّريع التّغيّر، فالمعلومات موجودة في كلّ مكان ومع تسارعها وتزايدها صار لزامًا علينا أن نعلّم طلابنا طرق استخلاص الجديد منها وما يفيدهم عبر تنشيط عقلهم واستثارة فكرهم كي نعدّهم إلى مستقبل أفضل. وحريّ بنا، أن نخطّط تخطيطًا سليمًا للتّعلم الهادف عبر إدخال ما تكلمنا عليه سابقًا إلى مناهجنا وبرامجنا لكي ننتقل من الطّور النّظري إلى التّطبيقي ولنفتح المجال أمام متعلمينا إلى تشكيل شخصياتهم المستقلة والواثقة بنفسها الّتي من دونها لن نصل إلى تحقيق مجتمع متقدّم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق