المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا
صاحب المقال : وضحى بنت محمد بن سلطان الفارسية
المقال :
هل أفكارنا سليمة ؟
عزيزي القارئ للكلمات القادمة،قبل الشروع بقراءة المقال،أنا وربما أنت أيضا ما زلنا في مرحلة استكشاف فكرنا وأفكارنا ، و كيف تكونت لدينا ، و ما الذي أثر فيها لتكون بهذا النمط الذي هي عليه الآن ؟!و كلانا يطمح لمعرفة السبيل نحو فكر سليم .
يا ترى ، ما هو الأكثر خطورة على حياتنا ، و الأشد تأثيرا و ربما تهديدا لمسار عيشنا؟!
هل هو الإعلام المبرمج الموجه في ظل غياب الوعي الاجتماعي و الوعي الذاتي و الوعي الاقتصادي و الوعي الديني ، و غيرها من أشكال الوعي المختلفة ؟!
أم هي القنابل الذرية و الحروب و الكوارث الطبيعية و المجاعات و الأمراض ؟!
أيها القارئ الفطن ، إن الأفكار التي تدور في دواخلنا و تقطن أعماقنا ، هي الأكثر خطورة و الأعمق أثرا على حياتنا وقراراتنا ،فحسب نوعية و جودة الفكر و الأفكار التي نتبناها ، تتحدد مسارات حياتنا و قراراتنا و حجم خياراتنا و مدى اتساعها و مرونتها .
لا يخفى عليك أيها القارئ الجميل روحا و قلبا و شكلا ، أن الفكر الذي يحمله أي إنسان هو الذي يحدد مسارات حياته ، و أهدافه ،و تطلعاته ،و صحته النفسية و البدنية ، و طبيعة علاقته بالله تعالى (رب الأفكار و الأنوار و الأبصار)، و علاقته بنفسه (ذاته) ، و علاقته بالآخرين من حوله ، و علاقته بدراسته و عمله و مسؤولياته و واجباته ، كذلك علاقته بالأشياء و الأماكن و الأزمنة و الوجود و سائر المخلوقات في هذا الكون المترامي الأطراف ‘فإن كانت أفكارا جميلة خلاقة إنسانية متماشية مع متطلبات الفطرة و الحاجات و الأولويات الشخصية المتزنة ، اعتبرت عامل بناء ، و إن كانت عكس ذلك ، اعتبرت عامل هدم .
كيف نحصل على هذه الأفكار ؟ و هل يتكون الفكر في مدة زمنية معينة فجأة ؟ أم أنه عملية مستمرة قابلة للتغيير و التعديل و الحذف و الإضافة ؟!هل نحن حريصين على ما يدخل إلى أذهاننا و قلوبنا من أفكار ؟ ما درجة التسليم بها دون أدنى شك بصحتها من عدمه؟
عزيزي القارئ ، لتعلم أن كل ما يدخل إلى قلبك (الذي أثبت العلم الحديث أنه يفكر) سواء كان من منافذ السمع و البصر ، تسهم تلك المدخلات باختلاف أشكالها (كلمة ،صورة ، رمز،إيماءة ،حوار...) ، في تشكيل أفكارك و معتقداتك ، و كلما زاد معدل التكرار لمدخلات ما في جانب ما ،كلما زاد التأثير و حدثت البرمجة اللاواعية (اللاشعورية ).
و في سياق حياتنا اليومية ، نستقبل و نرسل الكثير من الأفكار الصحيحة و الخاطئة ، المفيدة و الضارة ، الجديدة و القديمة ، عبر قنوات متعددة (المسلسلات ، زملاء الدراسة و العمل ، الشارع ، الأصدقاء ، التجارب الشخصية في الحياة ‘الإعلام الجديد ، مسارات الحياة المختلفة ... ) ، فهل قلبك و عقلك قادران على تمييز ما الأفكار الصالحة لتؤمن بها و ما الأفكار الخاطئة التي تبعدها عن حيز تفكيرك ؟ و كيف أنا و أنت نستطيع التمييز ؟ و ما هي معايير الفكر السليم ؟!
هل نحن أحرار في تكوين فكرنا ؟ أم ما زالت العادات و التقاليد السائدة تشكل أنماط تفكيرنا ؟ إلى أي مدى يمكن أن تكون نافعة تلك الأفكار المستقاة من الثقافة المجتمعية المتوارثة عبر الأجيال و السائدة ؟ هل تم برمجتنا فكريا بمرور الوقت و المساحة ، بحيث أصبحت قناعاتنا و ما نؤمن به وفقا للأفكار السائدة التي تبادرت لأذهاننا - ربما تكون للمرة الأولى من سماع قصة ما أو حادثة ما أو موقف ما - و بناء على ذلك الانطباع صار نمط تفكير دون إعمال العقل أو التحقق من صحته ؟!
هل نشأتنا في مرحلة الطفولة المبكرة لها دور في تكوين الفكر السليم و أنواع الفكر الأخرى ؟ هل تتدخل أيضا طبيعة البيئة الفسيولوجية (هل نشأت في قرية أو مدينة ) ، هل ما أتنفسه يوميا من هواء نقي و ما أستمتع به في هذا الكون الفسيح الذي خلقه المبدع العظيم –سبحانه- له أثر على نوعية أفكارنا ؟!
إنها أسئلة مغرية لإعمال الفكر و البحث عن إجاباتها -عزيزي القارئ-
سمة الفكر الاختلاف و التنوع ، شأنه شأن خلق الله تعالى كله ، الذي فطره على الاختلاف ، هذا الاختلاف الذي يضفي الثراء و الجمال على الأشياء ، فجمال الأفكار في اختلافها و تنوعها ، و جمال الأشجار في تعددها و تمايزها ، و كذلك سائر الخلق و الأشياء .
كلما توافر هذا المعنى العميق الجميل للاختلاف في كل شيء ، و أساس كل شيء ( لاسيما اختلاف الفكر الإنساني و الأفكار هو الأساس) ، كلما اقتربنا من فطرتنا السليمة أكثر ، و حققنا مراد الله لنا في الحياة على هذا الكوكب ، حيث العيش بتناغم و انسجام مع احترام و تقبل كل الاختلافات و الفروقات .
هل نحن بحاجة إلى عمق في الوعي أكثر في مختلف الجوانب ، سواء كان الوعي الروحي ، و الوعي العلمي ، و الوعي الذاتي ، و الوعي الاجتماعي ، و الوعي الصحي ؟! بحيث نعيد تشكيل أفكارنا و فكرنا مرة أخرى .
هل (ديكارت) كان محقا حين قال : (أنا أفكر ، إذن أنا موجود ) ، هل الوجود مرتبط بالتفكير ؟!
أليس من الممكن أن نعيش نحن و الوجود في تناغم و انسجام ، دون الحاجة لتكلف الفكر ، بل لنفهم الوجود و الحياة كما فطرنا الله تعالى ، و كما فطر الله تعالى الحياة الحلوة النظرة .
على الرغم من حديث بعضهم " أن العرب مصابين بتلوث فكري قديم متجدد ، لكن أليس من السلام الذاتي ، و السلام مع الكون ، أن نتقبل الآخر ، بغض النظر ، هل هذا الآخر تربطه بنا رابطة اللغة أو الدين أو اللون أو الفكر المضاد و المخالف لأفكارنا التي لا تلتقي أبدا ؟!
ألم يكن الرسول الكريم (محمد) ، صاحب فكر سليم ، و صاحب قلب سليم ، ألم يكن صحابته نتاج تربيته و فكره و ساروا على نهجه .
و هنا تبادر إلى ذهني سؤال آخر ،يستحثك أنت أيضا أيها القارئ أن تعمل فكرك فيه ، هل الفكر السليم له علاقة بالقلب السليم ؟! بالطبع أعني القلب السليم (معنويا) .
نحن نعيش مرحلة متقدمة من الفكر الإنساني ، تصنف الأكثر وعيا على مر التاريخ البشري ، و يكثر الحديث الآن في الأوساط المستنيرة حول التنوير الفكري و عصر السلام الذاتي و الوعي الروحي و طاقة القلب الفكرية ،إنما حقيقة الأمر أن ذلك ليس بالأمر الجديد ، إنما هو إعادة بعث ذلك النمط من الفكر ، و إحياؤه مرة أخرى ، لا تفوت على نفسك الفرصة .