كتاب
الإستبداد صدر حديثاَ للشيخ أحمد الخليلي
وهو يقع تقريباً في 370 ورقة من القطع المتوسط...من خلال مقدمة الكتاب يدرك القارئ
أن المؤلف يحمل هم ما حدث في الساحة العربية في العامين الأخرين ألا وهو
"الربيع العربي".
لذلك فهو يسعى إلى إضاءة هذه القضية ولكن ليس
بالطريقة المباشرة وإنما بالبحث في الجذور، فيعود إلى التاريخ ويحاول إضاءة القضية
من هناك، من اللحظة الأولى التي انطوت فيها الخلافة الراشدة،وتحول الحكم في
الإسلام إلى نظام قيصري كسروي (بتعبير الكاتب) !!!.
المؤلف من
حيث المنهج يقسم كتابه إلى قسمين: القسم الأول "مظاهر الإستبداد" والقسم
الثاني "مواجهته" .
-
( في القسم
الأول):
يستعرض
المؤلف إنتشار الظلم بين الناس في الأمم التي سبقت الإسلام وقبول الناس له ويدلل
على ذلك بأمثلة من تسلط القيادات الروحية "الدينية" وتأثيرها على الناس
بالدجل لتقبل الظلم وكيف أتى الإسلام ونسف كل هذه الأفكار!.
ثم يرصد
الفترة التي بدأ فيها الإستبداد والفساد ينخر الخلافة الإسلامية منذ إنطلاقة
الخلافة الأموية ( السلطة الإستبدادية )، التي لم تتوانى في إتخاذ أقذر الطرق لفرض
سيطرتها وهيمنتها منذ تحويل نظام الخلافة إلى نظام التوريث إلى لعن الخليفة (علي)على المنابر.
ثم يتحدث عن
أثر السياسة الأموية في الفقه السياسي التبريري على المستوى الديني والإنساني معاً
، ثم ينتقل المؤلف إلى القسم الثاني والذي كان له نصيب الأسد أي ثلثي الكتاب
تقريباً وهو مواجهة الإستبداد.
-
( في القسم الثاني):
يتناول هنا المؤلف
ثورة طالب الحق وأبي حمزة الشاري على القيادة الأموية المستبدة حيث يتناول هذه
القضية بطريقة التسلسل التاريخي منذ المهد الذي ترعرعت فيه وحتى الخطاب الذي ألقاه أبو حمزة بمكة المكرمة
حين أصبحت في يده!.
ثم يتناول
المؤلف شهادة مجموعة من المفكرين والششيوخ في تلك الثورة وعدالتها وإنسانيتها وكيف
أنها كانت صورة مشرفة من التاريخ ، يذكر منهم : عبد المعز عبد الستار وإبراهيم
الكيلاني.
ثم يتناول
بعض ما يسميه المؤلف بإفتراءات الحاقدين على الثورة ويقوم بتفنيدها وردها، ثم
يتحدث عن أثر المدرسة (الأباضية)التي ينتمي إليها طالب الحق وأبو حمزة الشاري في السياسة الإسلامية وهنا يقدم شهادتين شهادة
من المغرب (عبدالعزيز المجذوب) وشهادة من المشرق (حسين غباش).
ثم يطرح
المؤلف 13 نموذجاً حياً عن مثالية وحرص
المدرسة الأباضية على العدالة الإجتماعية هذه الأمثلة تتجسد في مواقف مشرفة لأمة
المذهب الأباضي ، ومن بينهم الجلندى بن مسعود والوارث بن كعب وناصر بن مرشد وعزان
بن قيسو غيرهم ، ثم يبين كيف رَفضت هذه المدرسة الغلو في الفكر والسلوك وموقفها من
الأزارقة الغلاة!.
ثم يزيح
المؤلف الستار عن شبهتين تاريخيتين ألصقتا بالأباضية إفتراءاً وكذباً ، أولهما نسبة جيهمان العتيبي وهو
من غلاة الحشوية (بتعبير الكاتب) إلى الإباضية حين إقتحم هو ومجموعة من الشباب
المسجد الحرام واعتصموا فيه بدعوى المهدوية.
والقضية الثانية إفتراءات الكاتب
محمد سعد الشويعر في كتابه (تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية)، حيث حاول الشويعرفي
كتابه أن يلصق جرائم الوهابية وفضائحها بالإمام الأباضي عبدالرحمن بن رستم (مؤسس
الدولة الرستمية في المغرب)!.
ثم يبين الكاتب ردود الكثير من
العلماء من غير الأباضية على الحركة
الوهابية ، ويقتبس كثيراً من كتاب أخو مؤسس الحركة الوهابية سليمان بن عبد
الوهاب كتاب (الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية) ، حيث يبين فيه إنحراف منهج
هذه الحركة ، ثم يسرد بعدها الشيخ الخليلي إسم إثنين وعشرين كتاباً لمؤلفين من مختلف
المدارس الفقهية السنية الذين أنكروا وحاربوا الدعوة الوهابية.
ثم يعرض بعض إسهامات الأباضية في
الرد على هذه الدعوة ، ويعقد أخيراً مقارنة بين أعمال الوهابية ووسلوكها
كحركه وبين أعمال المذهب الأباضي وسلوكه كمذهب إسلامي
معتدل.
ثم بعد هذا الطواف التاريخي يعود
المؤلف ليبين الأثر الذي خلفته هذه الحركات الإستبدادية و الطغيان الأموي على
(حاضر) الأمة من إضطراب في المعايير والتصور، وكيف أثر ذلك على إنقلاب موازين
الأمة لتعتبر المساوئ أمجاداًً ،وتفخر بماض أسود!.
ثم يتناول الشيخ العلاقة بين الترف
والتلف الفكري كعلاقة بين السبب والنتيجة ، ويحذر الشيخ الخليلي من مغبة الركون
إلى الدنيا ، ثم أخيراً ينقل لنا المؤلف إقتباسات من أطروحة المفكر عبدالرحمن
الكواكبي (طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد) ، وقد تناولتها مسبقاُ بالتلخيص
وطرحتها لكم!.
وأخيراًً يصل المؤلف إلى خاتمته التي
يدعو فيها الجميع إلى نصرة الحق ودفع الباطل فإن الحق أحق أن يتبع ولو جاء به أبغض
الناس والباطل أولى أن يزهق ولوتلبس به أقرب الناس!.
وأخيرا إن
الكاتب قد أبدع أنامله في وصف ما جرى على الساحة العربية والإقليمية بخط أدبي
وفكري وتاريخي بديع إشتمل فيه في كلامه على الرصانة الأدبية مع النقل التاريخي
الموثق بالشواهد العلمية من مختلف المراجع الفقهية الإسلامية الذي لم يقتصر فيها
على رأي فقهي واحد بعينه ، فجزى الله الذي
أعطى الشيخ هذه المقدرة اللغوية والفكرية التاريخية الهائلة التي كونت هذا النسيج
المترابط.
فشكرا له
ولكل من ساهم في نشر هذا العمل الراقي بمعنى الكلمة والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.
قام بكتابة التلخيص: عبدالله بن أحمد بن سيف الراشدي