المقالات المشاركة في مسابقة سنبصم فكرًا
صاحب المقال : محمد شاكر محمود
المقال :
التراث النجفي والتهديدات بالاندثار
وفي العراق عموما ومدينة النجف الاشرف خصوصا، تنتشر مجموعة كبيرة من الأبنية التراثية وآثار من مختلف الحقب التاريخية التي لها قيمة مادية ومعنوية كبيرة كونها أولا عاصرت أحداث مهمة في تاريخ هذه المدينة وثانيا أن لها قيمة جمالية ومعمارية متفردة، ومنها ما هو خاص، كبعض البيوت، ومنها ما هو عام، مثل مراقد ومقامات بعض الأنبياء والأولياء الصالحين، المدارس الدينية، المساجد، ... وغيرها الكثير. وعلى الشباب اليوم التعرف على تلك الآثار لكي تكون منارا له للتسديد في طريقه ويتعرف على هويته ويبني مستقبله عليها، فهو سيفكر كيف يستفاد منها معنوية ومادية فيحافظ عليها ولا يعتمد فقط على يتوفر حاليا فقط (البترول) فهو نافذ.
فهناك مواقع عديدة في المدينة يمكن اعتبارها من الآثار او التراث وتقسم إلى قسمين رئيسيين: أولهما قبل الإسلام، حيث وجود عدة تجمعات سكانية ومدافن مسيحية وغيرها، والقسم الثاني بعد الإسلام، حيث وجود مراقد ومقامات عديدة في النجف الاشرف، وأهمها هو مرقد الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام لما لهذا المرقد من دور مميز في تاريخ وحاضر المدينة التي تشرفت بوجوده بين حبات ترابها. وهناك أيضا مراقد أنبياء (ع) كثر، مثل مرقد النبيين آدم ونوح (ع) اللذين يشاركان المرقد الشريف للإمام علي (ع)، وأيضا مرقد النبيين هود وصالح (ع)، ومراقد أولياء صالحين، مثل، الصحابي الجليل كميل بن زياد النخعي والصحابي الجليل ميثم التمار، ومراقد علماء وأدباء وشعراء وغيرهم. وهناك المساجد، مثل مسجد الكوفة، مسجد الحنانة ومسجد السهلة، وهناك المدارس الدينية التي كان لها دور كبير في نشر ديننا الإسلامي الحنيف، مثل مدرسة الصدر، المدرسة المهدية، مدرسة البخاري، مدرسة الايرواني، مدرسة القزويني، مدرسة الهندي، مدارس الآخوند، المدرسة الطاهرية، مدرسة الرحباوي، مدرسة الجوهرجي، مدرسة الحكيم، مدرسة جامعة النجف الدينية، وغيرها الكثير.
فهذا تراث كبير بقيمته المادية والمعنوية ويجب الاهتمام والتعريف به بشكل كثيف للحفاظ عليه من اجل الأجيال اللاحقة ليكون لهم منارا للمعارف والعلوم المختلفة. والحفاظ عليه من مختلف المؤثرات ومن أهمها الاندثار، وهناك أسباب كثيرة له ومنتشرة في مدينتنا.
إن انتشار النشاط البشري غير المدروس، ومنها بناء الفنادق والمطاعم وبمستوى سيء من التصميم المعماري أو الخدمي، مسببا تغييرا طارئا أو جذريا في البناء التراثي ويتسبب في ضياعه معنوياً ومادياً. فالتصميم السيئ الخاص بالتصريف الصحي لها مثلا، يؤدي بالتأكيد إلى تغلغل مياها إلى التربة مسببة تخلخلها، وهذا ما يحصل مثلا في المدينة القديمة (الجزء الذي يضم معظم تراث مدينة النجف)، حيث إن المياه الجارية احد اخطر الأسباب في مشكلة تصدع الأبنية في مدينة النجف الاشرف، حيث إن تربة المدينة تحتوي على نسبة كافية من الأملاح التي تذوب في المياه وتسبب الخلل في هيكلية التربة وبالتالي تؤدي إلى تصدع الجدران في الأبنية. وهناك أعمال البناء الجديدة (بعد تهديم القديم) وبصورة غير سليمة ومجاورة للاماكن التراثية المهمة مما أدى ويؤدي إلى انهيارها بشكل كامل أو جزئي. وهناك أعمال الترميم لتلك الأبنية التراثية ولكن بشكل يشوه تلك الأبنية المهمة من خلال استخدام مواد وطرق إنشاء غريبة عن البناء التراثي.
وفي خان شيلان، مثلا، وهو من الأبنية التراثية المهمة في مدينة النجف الاشرف، حيث بُني لاستقبال زوار الإمام علي (ع) منذ ما يقارب 100 سنة ثم مر بمراحل مختلفة من الاستخدامات، ومنها، كان مقرا للحكومة، وأثناء ثورة العام 1920 حجز فيه مجموعة من الجنود الانكليز وبقيت أثارهم على جدرانه إلى الآن، وفي التسعينيات من القرن الماضي، استخدم، مع الأسف "مكب للنفايات" ووصل به الحال إلى تدمير جزء كبير منه، ولكن بعد الاهتمام به من قبل بعض الأخيار في المدينة، تم ترميم الخان ليصبح متحفا للتراث النجفي وثورة العشرين حيث يضم الآن كل ما يشير إلى تاريخ المدينة في شكل أنيق.
لكن بقي الخان مهددا بالاندثار، بعد كل تلك الجهود والأموال، بسبب النشاط البشري المحيط به من كل الجهات والذي يؤدي من جهة إلى تسرب المياه المختلفة إلى جدران وأسس البناء ومن جهة أخرى تعرضه للاهتزازات الناتجة عن حركة الآليات في الشارع المجاور للبناء (شارع الخورنق)، وهو الممر الوحيد للآليات والمعدات التي تدخل المدينة القديمة. وهذه الاهتزازات تهدد استقرارية التربة وبالتالي استقرارية البناء. وهناك أمثلة كثيرة لأبنية تتعرض لمثل هذه الظروف.
ومن هنا ندعو المهتمين، والمسؤولين، التحرك سريعا للحيلولة دون المساس بتراث هذه المدينة المهم، ليس لمدينة النجف الاشرف فقط وإنما للعراق، بل للمسلمين في كافة أنحاء العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق